د. بركات عوض الهديبان
ليس غريبا أن يولي الكويتيون كل هذا الاهتمام، للحكومة الجديدة، التي أصدر سمو نائب الأمير ولي العهد أمس الأول، أمرا أميريا بتشكيلها، وكلف سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ أحمد النواف باختيار وزرائها، وعرضهم على سموه، للمصادقة على تعيينهم. ذلك أن هذه الحكومة تأتي بعد فترة طويلة من الانسداد السياسي، بسبب الاحتقان الشديد والتأزيم المتواصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وهو ما قاد إلى تعطيل مسيرة التنمية في البلاد، فترة طويلة، وجعل الكويت التي كانت مضرب الأمثال في النهوض والتقدم بالمنطقة كلها، تتراجع إلى مؤخرة الصفوف، بما لا يليق بماضيها الزاهر، تماما كما لا يليق بما تملكه من كوادر وطاقات وخبرات بشرية، قادرة على أن تصنع المعجزات، وتعيد هذا البلد الرائع إلى ما كان عليه، وما يستحق أن يكون دائما عليه.
وغني عن البيان أن ما تحتاج إليه الكويت الآن، هو حكومة قوية. ولا يمكن لأي حكومة أن تتصف بهذا الوصف، إلا إذا كانت تستند إلى كفاءات وخبرات، تمنحها هذه القوة. وأن يكون وزراؤها جميعا من أصحاب التاريخ الناصع والنظيف، الذين يضعون نصب أعينهم خدمة وطنهم وشعبهم، لا خدمة مصالحهم الشخصية، ومصالح فئاتهم وأحزابهم، ودوائرهم الضيقة، سواء كانت هذه الدوائر سياسية أو اجتماعية، وأن يكون انتماؤهم الوحيد والحصري للكويت الوطن والشعب.
ولعل مما سيكون عونا لسمو الرئيس في مهمته، أن جميع أعضاء مجلس الأمة الجديد أبدوا استعدادهم وجاهزيتهم، للتعاون مع سموه ومع حكومته المرتقبة. والأهم من ذلك هو تأكيد الكثيرين منهم على رغبتهم في «العمل والإنجاز الجماعي الحقيقي، بعيدا عن الفردية والاستعراض والمظهرية». وهو ما يبشر بأننا مقبلون على مرحلة جادة، يدرك الجميع فيها مسؤولياتهم، ويرتقون إلى مستوى طموحات شعبهم وتطلعاته، ويترفعون عن الصغائر التي دمرت العمل السياسي لدينا سنوات طويلة، وأدخلت البلاد في دهاليز المماحكات والاستعراضات، ووسعت الشقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، اللتين فرض الدستور وأوجب تعاونهما، لأنه ببساطة من دون هذا التعاون، لا يمكن أن يتحقق أي إنجاز على أي صعيد.
وفضلا عن ذلك كله، فلا بد أن تأتي الحكومة الجديدة، وهي تحمل رؤية واضحة وشاملة، بما يحتم عليها أن تكون جاهزة ببرنامج عملها، وأن تتقدم به من فورها إلى مجلس الأمة، المنوط به مراقبتها، والتحقق من مدى التزامها بهذا البرنامج. ولا يغيب عن بال أحد من المتابعين للشأن السياسي، ان هذه النقطة بالذات كانت محل خلاف بين الحكومة ومجلس الأمة، طيلة السنوات الأخيرة، وأسهمت بنصيب كبير في التصدع الذي أصاب جدار العلاقة بين السطتين، وحال دون تعاونهما المنشود.
يعزز من تفاؤلنا هذه المرة، أن الشعب الكويتي كله، مستبشر بسمو الشيخ أحمد النواف، ويرى فيه امتدادا لوالده ووالد الكويتيين جميعا، صاحب السمو الأمير الشيخ نواف الأحمد، حزما وعزما، وطهارةَ قلبٍ، ونظافةَ كف، وخشية لله، وترفعا عن صغائر هذه الحياة، وإخلاصا لا حدود له للوطن الحبيب. كما أنه يستنير ويستهدي أيضا بسيرة ونهج سمو نائب الأمير ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد، ويسعى لتحويل توجيهاته السامية، إلى «خارطة طريق» لحكومته، ووضع كل ما يدعو إليه سموه موضع التطبيق العملي.
وختاما فإننا لا نملك إلا أن ندعو الله سبحانه، بأن يسدد خطى سمو رئيس مجلس الوزراء، على طريق الخير، ويوفقه لاختيار الأصلح والأفضل لخدمة الكويت، مستهديا بالتوجيه القرآني العظيم «إِن أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ».
حفظ الله الكويت وقيادتها وشعبها، وأعان كل من أراد لها الخير، على تحقيق مراده، وصرف عنها كل سوء ومكروه.