لا يستطيع أحد أن يزايد على الكويت في مواقفها الإنسانية. يكفي أن الأمم المتحدة اختارتها يوما «مركزا للعمل الإنساني»، كما اختارت أميرها الراحل المغفور له بإذن الله، الشيخ صباح الأحمد، «قائدا للعمل الإنساني». وكان الأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون يقول : «إن الكويت صغيرة بحجمها ومساحتها، كبيرة بعطائها الإنساني». ويعلم الجميع أن قيادة الكويت الحالية، ممثلة في صاحب السمو الأمير الشيخ نواف الأحمد، وسمو ولي عهده الأمين الشيخ مشعل الأحمد، تسير على الدرب نفسه، درب الخير والعطاء والإنسانية، والمبادرة إلى مساعدة وعون كل المحتاجين، على سطح هذا الكوكب.
ولعل الحملة الإغاثية التي انطلقت أمس بعنوان «الكويت بجانبكم»، تنفيذا للتوجيهات السامية من القيادة السياسية، لمساعدة متضرري الزلزال المدمر في تركيا وسوريا، وتمكنت خلال ساعات قليلة من جمع الملايين، تمثل تأكيدا على إنسانية الكويت، وأيضا على حسها العروبي والإسلامي، و«فزعتها» لكل المنكوبين والمحتاجين، في مختلف أنحاء العالم.
وقد كنا نتمنى أن يتزامن ذلك كله، مع حس سياسي وثقافي وإنساني عالٍ، من قبل المسؤولين عن الاحتفالات الوطنية، والمشرفين على الحفلات الغنائية المرافقة لهذه الاحتفالات، وأن يبادر هؤلاء فور ورود الأنباء بوقوع الزلزال في تركيا وسوريا، وتبين حجم الدمار الرهيب الذي نتج عنه، إلى الإعلان عن وقف جميع الحفلات، أو على الأقل تأجيلها إلى مواعيد لاحقة، بعد شهر أو شهرين، على سبيل المثال. وفي اعتقادنا أن الكل كان سيتقبل القرار بكل أريحية، بمن في ذلك أولئك الذين حجزوا مسبقا بطاقات لحضور تلك الحفلات.
نعم لم يكن معقولا ولا مقبولا أن تقام عندنا الحفلات، وتبث على شاشة التلفزيون، في الوقت الذي تشخص فيه القلوب والأبصار، تجاه تداعيات الكارثة الكبرى في البلدين العزيزين على نفس كل عربي ومسلم، والبحث عن أي وسيلة لدعم شعبيهما، والوقوف بجانب المنكوبين منهما، وإغاثتهم ومد يد العون إليهم.
كيف نفعل ذلك، ونحن أصحاب دين يأمرنا بأن يتداعى كل منا للإحساس بألم أخيه، وكأنه ألمه هو، وأن يعيش مصابه كأنه مصابه هو، وذلك كما في الحديث الشريف : «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى». والقرآن الكريم شدد على حقيقة ينبغي ألا تغيب عنا أبدا، وهي «إنما المؤمنون إخوة».
فهل يستقيم هذا «التداعي» وتلك الإخوة الإسلامية والإنسانية، مع إقامة حفلات لمغنين لا يعنيهم إلا أن يتقاضوا الملايين، ويتعايش معهم الحضور في المسارح المقامة بها الحفلات، والملايين التي تتابعها عبر الشاشات؟! بينما آلاف الضحايا تساقطوا ولا يزالون يتساقطون، ومشاهد إخراج بعضهم من تحت الأنقاض، تدمي القلوب؟!
ألا يعد ذلك نوعا من الازدواجية التي لا تليق بالكويت وشعبها؟! الكويت التي كانت دائما وأبدا سباقة إلى فعل الخيرات والطاعات والقربات، وبلغ خيرها القريب والبعيد، ولم تتوانَ عن التجاوب مع أي استغاثة لنجدة المحتاجين، في أي ركن من الأرض.
إننا نتمنى أن يصدر قرار من الجهات المعنية، بالوقف الفوري للحفلات الغنائية، ليس فقط تعاطفا مع إخواننا في سوريا وتركيا، وإنما أيضا لنحافظ على الوجه المشرق والمضيء للكويت، والذي ينبغي أن يظل مشرقا ومضيئا وطاهرا، وأن تبقى الكويت «مركزا للعمل الإنساني»، و»قائدة للإنسانية».
وفي الختام ندعو الله أن يرحم شهداء الزلزال، وأن يمن على المصابين بالشفاء العاجل، وأن يبلسم جراح كل المنكوبين بهذه الكارثة المروعة، ويلطف بهم، ويجبر كسرهم، ويعوضهم خيرا. كما ندعوه سبحانه أن يتقبل من كل أبناء الكويت، والمقيمين على أرضها عملهم الصالح، وأن يشملنا مع من قال فيهم : «الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ».