د. بركات عوض الهديبان
عندما أنزل الله سبحانه وتعالى، على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، الآية الكريمة «وما أوتيتم من العلم إلا قليلا»، كان يقرر حقيقة قرآنية وكونية، مفادها أن الإنسان مهما حصل من علوم ومعارف، فإنه لن يصل إلى المنتهى أبدا. ومن أجل أن تكتمل الصورة، نزلت آية كريمة أخرى تقول : «وقل ربِّ زدني علما»، لترسخ لدى المسلم قيمة عظيمة، وهي قيمة طلب العلم، وبذل الجهد والمال والوقت في سبيل تحصيله، والتزود من معينه الذي لا ينفد.
ولأن علماءنا المسلمين الأوائل استلهموا هذه المعاني الجليلة، فقد انطلقوا يطلبون العلم «من المهد إلى اللحد»، وينشدونه في كل مكان «ولو في الصين». فظهر فيهم علماء كبار أجلاء، ملؤوا الدنيا كلها علوما ومعارف وثقافات، واستضاءت أوروبا بنور علومهم، وشرعت تبني نهضتها العلمية والصناعية، على أسس وقواعد تلك العلوم.
والآن بدأ العرب والمسلمون يدركون أهمية تعويض الفجوة الحضارية، التي حدثت مع الغرب، بعد أن ركنا طويلا إلى الدعة والراحة، فتقدم الآخرون وتخلفنا نحن كثيرا. ومن هذا المنطلق جاءت فكرة تنظيم «المؤتمر الدولي للإبداع والتحول الرقمي في التعليم»، والذي استضافته الجامعة الدولية للعلوم والتكنولوجيا، بالتعاون مع الاتحاد العربي للتعليم الخاص التابع لجامعة الدول العربية، ومجلس الوحدة الاقتصادية بالجامعة العربية، والذي نظر إليه كثير من العلماء الذين شاركوا فيه – وبينهم وزراء سابقون للتربية والتعليم العالي في بعض الدول العربية – باعتباره يشكل انطلاقة علمية وعملية لوضع إستراتيجيات فاعلة للتحول الرقمي في المؤسسات التربوية، وتطوير سياسات تعليمية وتربوية حديثة تعزز برامج الجودة وتؤصلها في المؤسسات التعليمية المختلفة.
وعلى الرغم من أهمية التوصيات التي أصدرها المؤتمر، ومن أبرزها : العمل على تطوير مخرجات التعليم لدى الجامعات العربية، عن طريق تبني أسس علمية لتطوير البرامج والمناهج، بما يتوافق مع توجهات سوق العمل، وإطلاق الشبكة العربية للتحول الرقمي في التعليم، وتطوير إستراتيجية هذا التحول في كل جامعة عربية، وتأسيس مراكز بحثية تدعم توجه التحول الرقمي في التعليم، وبناء مركز عربي للتطوير المهني، وإنشاء مركز للدراسات والاستشارات بهذا المجال، فإن التوصيات لم تكن هي كل شيء. فقد شكل المؤتمر بذاته «حالة» علمية ومعرفية وثقافية، من خلال الندوات التي شارك فيها عدد من أعلام الفكر والعلم والثقافة، في دولنا العربية، أو المحاضرات التي ألقوها، وورش العمل التي تم عقدها لإفادة الدارسين بالجامعة الدولية وغيرهم من الراغبين في الحضور، فقد كانت المحاضرات والورش مفتوحة للجميع. وكان تفاعل هؤلاء الدارسين مع المحاضرات والندوات وورش العمل، وتجاوبهم مع كل هذه الفعاليات مبهجا ومفرحا، وإشارة دالة على أننا على الطريق الصحيح، وأن هذا المؤتمر لن تنتهي مفاعيله بمجرد انتهاء أيامه، بل سيترك بصماته واضحة في نفوس كل من شارك فيه، وستكون نتائجه مصدرا لإلهام الجميع بالعمل الجاد ، من أجل الإسهام في صنع مستقبل أفضل للكويت وللأمة العربية قاطبة، والإيمان بقدرة هذه الأمة على أن تسهم بنصيب وافر، في تقدم البشرية، وتطوير العلوم والتقنيات المختلفة، وألا نكتفي بدور المتفرج أو المتلقي فحسب لهذه العلوم وتلك التقنيات.
وقد كان مما أبهجنا كثيرا أيضا، أن نرى السعادة في أعين العلماء العرب أنفسهم، خلال مشاركتهم في هذا المؤتمر، وتأكيدهم على أهميته كفكرة، وأهمية الفعاليات التي تخللته، والتوصيات التي صدرت عنه. وهو ما يمثل دافعا قويا للكويت، لتستعيد دورا طالما لعبته خلال عقود ماضية، بأن تكون رائدة في منطقتها للتطور والنهوض في كل مجال، وبالأخص المجال الذي نحن بصدده، وهو التعليم الإبداعي والتحول الرقمي. وقد أثبت المؤتمر أن الكويت قادرة على أن تفعل ذلك، وأن تعود من جديد لؤلؤة للخليج، وللمنطقة العربية كلها .