د. بركات عوض الهديبان
جاء الخطاب الذي ألقاه قبل أيام، سمو ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد، نيابة عن صاحب السمو الأمير الشيخ نواف الأحمد، في وقته تماما، وتلقاه الكويتيون جميعا بالقبول والترحاب الشديدين، لأنهم وجدوا فيه تجاوبا كبيرا مع طموحاتهم وتطلعاتهم، بل - وكما عبر بعض النواب بحق - فإن الخطاب أتى ملبيا للتطلعات النيابية والشعبية “بأكثر مما كنا نحلم أو نتوقع”.
من هنا برز بوضوح هذا التأييد الكبير للقيادة السياسية، والتأكيد على الوقوف خلفها ومساندتها، ورد التحية لسمو الأمير، وسمو ولي عهده الأمين، فقد بدت مضامين الخطاب السامي مطمئنة للوضع الحالي، ومبشرة جدا للمستقبل الذي نتطلع إليه، ونستشرف آفاقه، وواضعة أسس” الكويت الجديدة” التي نحلم بها. فعندما يقول سمو ولي العهد : “لقد حمّلَنا الله عز وجل أمانة الحكم باعتبارها أمانة تكليف لا تشريف، وأقسمنا بالله القسم العظيم أن نصون هذه الأمانة جيلا بعد جيل، وأكدنا دوما تمسكنا بتعاليم ديننا الحنيف، وارتضينا بالدستور وبالديمقراطية أساسا ومنهجا للحكم في إدارة البلاد، ونقولها أمامكم في خطابنا هذا إننا لن نحيد عن الدستور، ولن نقوم بتعديله ولا تنقيحه ولا تعطيله ولا تعليقه، ولا حتى المساس به، حيث سيكون في حرز مكنون، فهو شرعية الحكم، وضمان بقائه، والعهد الوثيق بيننا وبينكم”.. فإن سموه يضع بذلك حدا قاطعا للتكهنات التي ذهبت في أكثر من اتجاه، وتقولّت بغير علم، وكأنها تكشف الحُجُب وتقرأ الغيب، زاعمة أن هناك توجها للحل غير الدستوري لمجلس الأمة. وكان الخطاب السامي من الوعي والحصافة، بحيث اتجه مباشرة ومنذ البداية، إلى تلمس” الوتر الحساس” الذي يعزف عليه البعض، ويتلاعبون بالمشاعر والعواطف، ليجدد سموه التأكيد على أن الدستور الكويتي محفوظ ومصون، أو بالتعبير السامي الرائع فهو في “حرز مكنون”.
ولعلها تكون المرة الأولى التي يستقبل فيها الكويتيون، حل مجلس الأمة حلا دستوريا، بارتياح شديد، واقتناع تام، بما أشار إليه سمو ولي العهد، من تراجع واضح في أداء السلطتين التشريعية والتنفيذية، على الرغم من أن القيادة السياسية - كما ذكر سموه - آلت على نفسها، وحفاظا منها على مبدأ فصل السلطات مع تعاونها، فقد آلت على نفسها عدم التدخل المباشر في إدارة الدولة، تاركة هذه الإدارة إلى السلطتين، مكتفية فقط بالنصح والإرشاد لهما، إلا أن النتيجة لم تكن مرضية للقيادة ولا للشعب.
وإذا كان سمو ولي العهد قد طمأن المواطنين، بأن الانتخابات التشريعية المقبلة، ستجرى وفق أعلى درجات النزاهة والشفافية والعدالة، وأنه سيوجه الحكومة الجديدة بأن تقف على مسافة واحدة من جميع المرشحين، ولا تتدخل في أي مرحلة من مراحل الانتخاب، سواء كانت الانتخابات العامة أو انتخابات رئاسة مجلس الأمة، أو اللجان البرلمانية، فإننا - نحن المواطنين - مطالبون بأن نرد التحية لقيادتنا السياسية، ونحسن اختيار من يمثلنا التمثيل الصحيح، و”ألا يكون الاختيار أساسه التعصب للطائفة أو للقبيلة أو للفئة على حساب الوطن، فالكويت لم تكن ولن تكون لأحد بعينه بل هي وطن الجميع”، لا سيما - وكما حذر سموه أيضا - أن الاختيار غير الصحيح لمن يمثلنا “سوف يضر بمصلحة البلاد والعباد، وسيعود بنا إلى المربع الأول إلى جو التعصب والتناحر، وعدم التعاون، وتغليب المصالح الشخصية على حساب الوطن والمواطنين”،
نحن إذن أمام مسؤولية وطنية، وأمانة شرعية، تحتمان علينا “اختيار القوي الأمين المؤمن بربه ثم وطنه، والذي يضع مصلحة الكويت وشعبها فوق كل اعتبار”.
وكما أن القيادة السياسية كانت عند حسن ظن شعبها بها، فإننا على يقين من أن الشعب الكويتي سيكون عند حسن ظن قيادته.. كيف لا وكل التجارب التي مررنا بها في تاريخنا، تثبت أن التلاحم بين القيادة والشعب، كانت هي دوما سفينة النجاة التي تعبر بنا إلى بر الأمان؟ .
وإذا كنت يا سمو ولي العهد قد طالبتنا بألا “نضيع فرصة تصحيح مسار المشاركة الوطنية، حتى لا نعود إلى ما كنا عليه، لأن هذه العودة لن تكون في صالح الوطن والمواطنين”، فإننا نبشركم بأن شعبنا قد وعى الدرس جيدا، وأنكم ستجدون منا إن شاء الله ما يسركم، وستبقى الكويت بإذن ربها، دار أمن وأمان، ووطن خير واستقرار وازدهار.