د. بركات عوض الهديبان
سيكون من باب خداع النفس، والالتفاف على الحقيقة، لو قلنا إن الكويت في وضعها الحالي، هي النموذج الذي نتمناه وننشده ونسعى إليه. لكن بالدرجة نفسها سيكون أيضا تضليلا محضا، وتجاوزا للموضوعية إذا ادعينا أن هناك بلدا واحدا في العالم، يمكن إن يسمى "بلدا نموذجيا" أو "كامل الأوصاف". وها هي دول العالم كله ماثلة أمامنا، فليدلنا أحد على دولة بعينها – شرقية أو غربية - ليست بها أوجه نقص وملامح قصور.
نعم في الكويت مشكلات وأزمات سياسية واقتصادية واجتماعية كثيرة، ومن الشجاعة والقدرة على مواجهة الذات، أن نعترف بها. كما أننا نعتقد أن ما نتمتع به من ديمقراطية وحريات، لاسيما حرية الرأي والتعبير، يجعل موضوع إخفاء هذه المشكلات والأزمات، أو التعمية عليها، شيئا أقرب إلى المستحيل. وهذا ما يجعل الكويت مختلفة عن كل دول المنطقة ومفارقة لها . فلدينا برلمان يملك من الصلاحيات الدستورية والقانونية، ما يجعله قادرا على مناقشة أي قضية أو مشكلة. كما أن لدينا أيضا صحافة حرة، لا تدع صغيرة ولا كبيرة إلا وناقشتها، ووجهت سهام نقدها إلى أي مسؤول في الجهاز الحكومي، من أصغر موظف، حتى رئيس الوزراء. ولو كنا دولة يمارس نظامها السياسي القمع والتسلط وكبت الحريات، لاختفت تماما المناقشات حول أي قضية ، ولبدت الكويت دولة بلا مشكلات، وبلد "كل شيء تمام" !
لكن الكويت "لا تكذب ولا تتجمل"، وترفض أن تتخلى عن ديمقراطيتها، وإيمانها بالدستور والقانون واستقلال القضاء، من أجل أن يقال إننا بلد خالٍ من المشكلات. وقد كان أول ما أكده صاحب السمو أمير البلاد الشيخ نواف الأحمد، عقب توليه الحكم، هو تمسكه بهذا الإرث الديمقراطي العظيم، واحترامه للدستور والقانون، وهو ما فعله أيضا سمو نائب الأمير ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد.
ومن قبيل الظلم للنفس أن يقال إن الكويت تسير اليوم نحو المجهول، أو أنها بلا خطة ولا مشروع وطني شامل. صحيح أننا نعاني الآن بعض ملامح القصور والتراجع في الجانب الاقتصادي. لكن كل دول العالم – كبيرها وصغيرها – تعيش الآن المعاناة ذاتها، نتيجة للتقلبات والكوارث السياسية والصحية التي اجتاحت العالم، خلال السنتين الماضيتين، حيث لم يكد العالم يفيق من تداعيات جائحة "كورونا"، حتى ضربته الحرب الروسية الأوكرانية، لكن هل بلادنا مستسلمة لهذه الكوارث، ولا تفعل شيئا لمواجهتها؟ وأليس ظلما للحقيقة أن نتجاهل ما حققته الكويت من إنجازات، على أكثر من صعيد، وخروجها من مواجهة وباء "كورونا" بأخف الأضرار، وشهادة منظمة الصحة العالمية لها، والتأكيد على أن تدابيرها الوقائية والعلاجية، وصلت بها إلى بر الأمان ؟
أيضا نسمع ونقرأ مرارا عن هجرة شباب كويتيين إلى دول مجاورة، بحثا عن بيئة أفضل للعيش. لكن أحدا لم يقدم لنا أرقاما حقيقية عن مثل هذه "الهجرة" المزعومة، ويكشف أيضا أسبابها ودوافعها. هذا مع التأكيد على أن انتقال شباب كويتيين للعيش في بلد خليجي شقيق، ومجيء شباب من دول خليجية أخرى للعيش في الكويت، لا يمثل بأي حال ظاهرة سلبية. بل إننا نعتقد أن مجلس التعاون الخليجي مطالب بتشجيع مثل هذا الحراك. وإذا كانت الكويت تستضيف وافدين ينتمون إلى أكثر من 140 جنسية، فمن باب أولى أن تحتضن أبناء الدول الخليجية الشقيقة، وأن تفعل تلك الدول الشيء نفسه مع شباب الكويت.
بقيت نقطتان تتعلقان بمحاربة الفساد، وتأخر التشكيل الحكومي. أما محاربة الفساد فإننا لا نعرف دولة أخرى من دول المنطقة قدمت هذا الكم من كبار المسؤولين فيها إلى القضاء، لمحاكمتهم عن اتهامات الفساد. وقد أنشات الدولة هيئة مختصة بتعقب الفساد وملاحقة المتورطين فيه، ونظن أننا نقرأ بشكل يومي عن إحالة مسؤولين حاليين أو سابقين إلى القضاء، للتحقيق معهم في شبه ارتكاب وقائع فساد. وظاهرة الفساد مستحيل أن يخلو منها أي بلد، لكن المهم هو مواجهتها وعدم التستر عليها.
وفي شأن تأخر التشكيل الحكومي، فإننا بدورنا نأمل ألا يتأخر، لكن تجاربنا الماضية تثبت أن التأخر المعقول أفضل من الاستعجال المؤدي إلى نتائج سلبية، ومجيء حكومات غير متجانسة، أو لا تحقق الطموح النيابي والشعبي المطلوب.
أخيرا فالكويت ليست جنة على الأرض، فلم يوجد بعد ولن يوجد ذلك "الفردوس المفقود" الذي طال بحث الإنسان عنه في هذه الدنيا. لكن الكويت أيضا ليست أيضا بهذا السوء الذي يحاول البعض الإيهام به. بل على العكس فإن الكويت لدى مقارنتها بغيرها، ستبدو الأجمل والأرقى والأكثر تحقيقا لتطلعات مواطنيها وأحلامهم، والأكثر قدرة أيضا على حفظ أمنها واستقرارها، لأن الله رزقها قيادة سياسية حكيمة مخلصة، وساعية دوما إلى ترسيخ أمنها وسلامها، وأمن وسلام المنطقة والعالم. كما حباها الله شعبا ودودا طيبا، يحب الخير لنفسه وللناس أجمعين.
لهذا كله فالكويت بخير، وستبقى إن شاء الله بخير.