د. بركات عوض الهديبان
حين يحل صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع بالمملكة العربية السعودية الشقيقة، بأرض الكويت اليوم، فإنما يحل ببلده الثاني، وينتقل "من غرفة إلى غرفة في البيت الواحد" ، كما عبر عن ذلك بحق، مسؤول كويتي رفيع المستوى .
وإذا كانت هذه الزيارة تكتسب أهمية مضاعفة، لكونها تأتي ضمن جولة سمو الأمير محمد بن سلمان، في دول مجلس التعاون، قبيل انعقاد القمة الخليجية في الرياض، بدورتها الـ 42 منتصف شهر ديسمبر الجاري، فإن ما بين الكويت والسعودية، من وشائج القربى، وروابط الدم والمصير الواحد، ما يجعل لزياراتهما المتبادلة أهمية كبيرة، في كل وقت وحين.
فالكويت لن تنسى أبدا كيف وقف ملك المملكة العربية السعودية الراحل المغفور له الملك فهد بن عبد العزيز، حين وقع الغزو العراقي الغاشم في العام 1990، وقال كلمته الشهيرة : "إذا ضاعت الكويت فقد ضاعت السعودية". ووضع إمكانات المملكة كلها البشرية والمادية، في خدمة هدف تحرير الكويت، وإخراج المحتل الغاصب من أرضها. كما لن ينسى الكويتيون يوم خرجوا من ارضهم وديارهم، متوجهين صوب الشقيقة الكبرى، ففتح لهم أشقاؤهم السعوديون قلوبهم قبل بيوتهم، واستضافوهم على الرحب والسعة، حتى تم لنا ولهم النصر والتمكين، وعدنا إلى بلادنا.
بيننا إذن من الصلات المتجذرة، والتاريخ المشـترك، ما يجعـل اتحادنا "فرض عين" علينا، لا يمكننا التخلي عنه، أو التفريط فيه . ومن فضل الله علينا أن قيض لنا قادة وزعماء، يعرفون حقا قيمة هذه المعاني، ويدركون أنهم ينطلقون في علاقاتهم من مبدأ قرآني عظيم، جاءت به الآية الكريمة "واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا". ومن هنا جاء حرصهم الدائم على التمسك بوحدة دولنا، ورفض أي محاولة خبيثة لضرب هذه الوحدة، أو النيل منها أو المساس بها.
وإذ لم يبق سوى أيام قليلة على انعقاد القمة الخليجية في عاصمة المملكة، فإن جولة سمو ولي العهد السعودي تكتسب أبعادا بالغة الأهمية، لأنها شملت كل دول مجلس التعاون، وأجرى سموه خلالها محادثات مركزة ومهمة مع قادة هذه الدول، كما جرى توقيع الكثير من الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية، بين المملكة والدول الشقيقة. وهو ما سيستكمله سموه في الكويت، التي تأتي "مسك الختام" لجولته، وتتويجا لهذا الحراك الذي بدأته الرياض منذ فترة، منذ قمة العلا، وأسهمت فيه الكويت بقوة، على مدى سنوات عديدة ماضية، عبر مساعٍ مباركة، بدأها المغفور له الشيخ صباح الأحمد، واستكملها صاحب السمو الأمير الشيخ نواف الأحمد، ومعه سمو ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد، والتي تكللت بالنجاح، وأعادت التئام الشمل الخليجي من جديد.
وها هو مجلس التعاون يعاود مسيرته المباركة، ليؤكد أنه وُجد ليبقى، وأن طموحات شعوبه قد وجدت صداها عند قادته الأخيار، لتبقى منطقتنا بفضل الله، مهدا للأمن والاستقرار والازدهار.
ومجددا فإنك يا سمو الأمير محمد بن سلمان، تحل في قلوبنا، قبل أن تحل بأرضنا، فأنت الكريم ابن الكرام، نعرف قدرك وقدر آبائك وأجدادك، ونحفظ لكم الود والعهد، ونظل وإياكم على قلب رجل واحد في السراء والضراء. وذلك عهد مع الله لا ينصرم أبدا، ولا تنفك عراه يوما، بل يبقى ويزداد مع الأيام قوة وووثوقا وأصالة.
ومثلما انطلق جدك العظيم الملك المؤسس عبد العزيز بن سعود، من الكويت، ليوحد الجزيرة العربية، ويؤسس مملكة الخير والحق والتوحيد، فإنك يا سمو الأمير تترسم خطاه، وتختتم جولتك في الكويت، ليكون منها المنطلق أيضا، نحو وحدة دول مجلس التعاون الخليجي، وتكاملها، وتراص صفوفها مجددا، وبكل قوة، في وجه جميع المخاطر والتحديات. يؤيدك في ذلك ويؤازرك قادة الكويت الحريصون دوما على وحدة الدم والمصير والهدف.