د. بركات عوض الهديبان
لسنا بحاجة إلى تذكير أعضاء السلطتين التشريعية والتنفيذية ، بأننا أمام مرحلة جديدة بالغة الدقة والحساسية ، وتتطلب احتشاد كل الجهود والطاقات ، من أجل مواجهة استحقاقاتها، خصوصا في ضوء ما أفرزته نتائج الانتخابات البرلمانية التي جرت في الخامس من الشهر الجاري، والتي أوصل الشعب الكويتي من خلالها رسالة، بأنه يريد التغيير . لا نعني تغيير الأشخاص ، وإنما تغيير النهج والآليات التي تحكم العلاقة بين السلطتين ، وأن المواطنين قد سئموا ذلك الاستقطاب الشديد بين المجلس والحكومة ، والتأزيم الذي لا محصلة له إلا تعطيل التنمية ، وتعويق دفة الاقتصاد ، ومضاعفة المشكلات بدلا من حلها .
لسنا بحاجة إلى مثل هذا التذكير ، فقد تكفلت بهذا وأكثر الكلمة التي ألقاها سمو أمير البلاد الشيخ نواف الأحمد ، مفتتحا بها دور الانعقاد العادي الأول ، للفصل التشريعي السادس عشر لمجلس الأمة ، خصوصا حين حذر سموه بوضوح من أنه «لم يعد هناك متسع لهدر المزيد من الجهد والوقت والإمكانات ، في ترف الصراعات وتصفية الحسابات وافتعال الأزمات ، والتي أصبحت محل استياء وإحباط المواطنين وعقبة أمام أي إنجاز». وقد جاء هذا التبيه السامي متناغما تماما ، مع الرغبة الشعبية الجارفة ، التي ترجمتها نتائج الانتخابات بوضوح ، وكان من بين تجلياتها – على سبيل المثال – الإطاحة بنواب كانوا من بين الأعلى صوتا ، والأكثر تقديما للاستجوابات . وهذا لا يعني أن الشعب الكويتي لا يريد مراقبة الحكومة ومحاسبتها ، وإنما يعني أنه يريد أن يرى أداء برلمانيا متوازنا ، يراقب حين تكون هناك حاجة إلى الرقابة ، ويشرّع عندما تمس الحاجة إلى التشريع، فلا يطغى جانب على آخر ، ولا نضيع مصالح الوطن والمواطنين بدعوى الرقابة ، التي هي مطلب مهم ومشروع ، بشرط أن تمارس ضمن الأطر الدستورية والقانونية واللائحية .
وينبغي أن نستعيد من مضمون النطق السامي أيضا ، ما شدد عليه صاحب السمو الأمير ، من أن «مسيرة الوطن العزيز تعاني مشكلات جسيمة، وتواجه تحديات كبيرة ، مما يستوجب وعلى جناح السرعة ، وضع برنامج إصلاحي شامل ، يؤتي الحلول الناجعة لها ، حتى تستقيم الأمور، وتنطلق المسيرة وصولا إلى التنمية المستدامة». فقد رسمت هذه التوجيهات السامية «خارطة طريق» للسلطتين ، يتحتم عليهما الالتزام بها، والسير على نهجها . فالكويت بالفعل تواجه تحديات جسيمة ، ولا بديل أمامها سوى المسارعة إلى إنجاز ذلك البرنامج الإصلاحي الشامل ، الذي أشار إليه النطق السامي . فلم يعد يصلح على الإطلاق أن نعالج مشكلة واحدة في قطاع ما ، أو نسد ثغرة واحدة في جهة أو مؤسسة بعينها ، بل لا بد أن يكون الإصلاح شاملا ومتكاملا ، ينهض به الجميع ، ويقوم بعبئه الكافة.
وكما أكد صاحب السمو أيضا فإن نجاح برنامج هذا الإصلاح الشامل «يتطلب وعيا مسؤولا ، وتعاونا فعالا بين مجلس الأمة والحكومة ، وحزما في تطبيق القانون وتغليب الحوار الإيجابي المسؤول الذي يوحد ويجمع ويتجنب الفرقة والانقسام ويحقق المصلحة الوطنية المشتركة» . فمن دون هذا «الوعي المسؤول» ، و«التعاون الفعال بين المجلس والحكومة» لا يمكن أن يتحقق أي إصلاح ، أو تقوم لنا تنمية ، أو ينهض لنا اقتصاد . وإذا أصبح همّ كل سلطة مناكفة السلطة الأخرى واستفزازها ، وإثارة الأزمات والمتاعب معها ، فلن يفضي بنا هذا كله إلى شيء إيجابي ، وإنما سيعيدنا مجددا إلى دائرة الأزمات والمشكلات ، التي تشدنا إلى الخلف، وتدمر كل قدرات النجاح وطاقات البناء لدينا .
وأخيرا فكما كان سمو الأمير حريصا ، على تذكير النواب بالثقة الغالية التي أولاهم إياها شعبنا الأبي ، والأمانة الثقيلة التي وضعها في أعناقهم بهذه الثقة ، وذكرهم أيضا بأن القسم الدستوري الذي يؤدونه ، هو قسم «لو تعلمون عظيم »، فإننا ندعو النواب – والوزراء أيضا – إلى مراجعة النطق السامي ، والوقوف عند مضامينه البالغة الأهمية ، لإدراك أن المرحلة القادمة تستوجب أداء يرتقي إلى مستوى التحديات ، ويتجاوز الأمور الشكلية ، ويتجه مباشرة إلى القضايا الجوهرية، وإلى ما يخدم المصلحة العليا للوطن ، ومصالح المواطنين ، مستهديا في ذلك بالهدي القرآني العظيم «فأما الزبد فيذهب جُفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض» .
وعسى أن تكون رسالة النطق السامي ، قد وصلت إلى كل من تهمه مصلحة الكويت وشعبها .