د. بركات عوض الهديبان
من حيث المبدأ فإن حق كل مواطن كويتي في التعبير عن آرائه بحرية تامة ، هو حق لا ينازعه فيه أحد ، من ناحية لأن الدستور هو الذي قرر هذا الحق ، ومن ناحية أخرى لأن ذلك تكرس وترسخ ، عبر ممارسة امتدت لأكثر من ستين عاما ، هي عمر الحياة البرلمانية في الكويت ، وهي ممارسة شهدت تجلياتها ليس فقط تحت قبة البرلمان ، ولكن أيضا عبر إعلام حر ، لا قيود عليه سوى ما تفرضه المعايير المهنية ، واعتبارات المصلحة العامة العامة للدولة .
في هذا الإطار بدا مستغربا ما صرح به النائب السابق شعيب المويزري ، من أن "هذه الانتخابات سيكون بها عبث كبير" ، وأنه "ممنوع من المقابلات التلفزيونية" . وبالنسبة لحديثه حول تخوفاته من حدوث "عبث في الانتخابات" ، فإنه أمر لا يعنينا ، لأنه يتعلق بجهات حكومية محددة ، وهي المنوط بها الرد على هذا الاتهام إن أرادت . كما أنه يأتي في إطار الحملات الانتخابية التي يتوقع أن تشهد سخونة في أحاديث المرشحين وتصريحاتهم . لكن ما يعنينا بالتأكيد هو حديث الأخ المويزري عن أنه "ممنوع من المقابلات التلفزيونية" . إذ لو صح ذلك لأصبح هذا الاتهام معلقا برقاب جميع المؤسسات الإعلامية ، خصوصا القنوات الفضائية . ومن هنا يأتي ردنا على أخينا الفاضل "أبو ثامر" ، لنقول له إنه قد جانبه الصواب تماما فيما قال . فنحن نشهد في "الصباح" أنه لم تأتِ إلى الجريدة أو القناة منذ تأسيسهما أي توجيهات أو تعليمات ، تحدد لنا من نستضيف أو نحاور ، أو تطلب منا عدم استضافة مسؤول أو نائب أو عضو مجلس بلدي بعينه ، أو غيرهم في أي موقع آخر من مواقع المسؤولية .
وإذا كان هناك تلميح أقرب إلى التصريح ، بأن المنع يأتي من شخصية سياسية كبيرة ، كرئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم ، فإننا نقرر يقينا أن هذا غير صحيح بأي وجه . ولم يحدث أن تلقينا من هذا الرجل ، منذ أن كان نائبا ، أو بعد أن أصبح رئيسا للمجلس ، أي طلب أو توجيه ، بنشر أو بث شيء بعينه ، أو الاعتراض على استضافة أحد من الشخصيات السياسية والنيابية . وفي اعتقادنا أن حديثك هذا يعطي "صك براءة للغانم" ، ويبرئ ساحته تماما من مثل هذا الاتهام الباطل .
وقد اعتدت على إقحامك الغانم في كل صغيرة وكبيرة ، بحيث صارت هذه المسألة "أسطوانة مشروخة" ، ومكشوفة لكل المواطنين ، ولم تعد تنطلي على أحد . بل إنك بذلك أعطيت للغانم شهادة بمصداقيته وبراءته من اتهاماتك ، دون أن تدري . كما أنه من الغريب أنك وسائر النواب تتغنون بحرية الإعلام ، فلماذا الإساءة إليه ومحاولة تشويهه ؟ وهو ما نرفض السكوت عليه ، لأن سكوتنا يعني ببساطة الإقرار باتهاماتك له وإساءتك إليه . كما أنك قد أدنت نفسك بنفسك ، لأنك وجهت تلك الاتهامات عبر الإعلام الكويتي ذاته ، الذي تحاول دمغه بالتحيز وعدم الموضوعية .
من هذا المنطلق أيضا نقول لك يا أبا ثامر وبكل ثقة ، إن صحيفة الصباح جاهزة تماما لتقول على صفحاتها ما تشاء ، وقناة الصباح أيضا مشرعة أبوابها أمامك على مدى أربع وعشرين ساعة ، لتتحدث من خلال برامجها ، وتوصل ما تريد من رسائل طوال فترة الحملة الانتخابية . أما كلام المنع والحظر فإنه لا يليق بدولة ديمقراطية حرة كالكويت ، وإنما يناسب دولا قمعية تمنع مواطنيها من الكلام ، وتحرمهم حقوقهم السياسية والإنسانية ، ليس فقط في أزمنة الانتخابات ، بل في كل أوقات حياتهم . وخطورة ما تقوله أنه يأتي في فترة استحقاق ديمقراطي كبير ، توسع الدولة خلاله مساحة الحرية ، وترفع سقفها إلى أقصى مدى . وحين يدعي أحد المرشحين أنه ممنوع من الحديث في الإعلام فإنه يسيء إساءة كبيرة إلى إعلام بلده ، ويصوره بأنه إعلام فاسد ومقموع ويدار بـ "الريموت كنترول" ، وهو ما يشهد الجميع في الداخل والخارج ، بعدم صحته ، ومخالفته التامة للحقيقة والواقع .
وإنصافا للإعلام كذلك فإنه لزاما علينا أن نُذكّر بأن تلفزيون الكويت الرسمي نفسه ، يفتح برنامجه الخاص بالانتخابات ، أمام جميع المرشحين ، ويمنحهم وقتا موحدا متساويا ، ليقدموا من خلاله أنفسهم لناخبيهم ، ويطرحوا رؤاهم وتصوراتهم وبرامجهم الانتخابية ، في واحد من أشكال العدالة والمساواة ، ربما لا يكون متوافرا مثله ، حتى في دول أعرق منا ديمقراطية .
أخيرا فإننا نعيد التأكيد على أن الأمر ليس دفاعا عن شخصية سياسية بعينها ، فالسياسيون أقدر على الدفاع عن أنفسهم ، وإيصال رسالتهم ، كما أنه ليس دفاعا عن جريدة أو تلفزيون "الصباح" ، وأنما هو دفاع عن الإعلام الكويتي المعروف بريادته الخليجية والعربية ، والذي يحق لنا جميعا أن نفخر به ، ونعتز بالدور الكبير والمهم الذي يؤديه ، خدمة لوطنه ولأمته ، وللإنسانية كلها .