د. بركات عوض الهديبان
على الرغم من كل الآلام التي تعيشها البشرية جمعاء هذه الأيام ، نتيجة لتفشي مرض كورونا المستجد، وما خلفه من ضحايا بعشرات الآلاف في مختلف دول العالم ، فإننا - نحن المسلمين - مأمورون شرعا بأن نفرح ، ونبدي مظاهر السرور والابتهاج في عيدينا الفطر والأضحى . كما أننا مطالبون بالتفاؤل والاستبشار بالخير ، والبعد عن الطيرة والتشاؤم والإغراق في توقع السوء والكوارث . ذلك أن الإسلام يريد من المسلم أن يكون قويا في بدنه ، وفي نفسه وعقله وروحه ، وألا يستسلم لليأس والقنوط ، وأن يظل مستبشرا بالخير ، مقبلا على إعمار الأرض . ويكفي للدلالة على ذلك الحديث النبوي العظيم ، الذي يظل دالا وملهما لهذه الأمة ، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .. ونعني به الحديث القائل : «إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة ، فإن استطاع ألا تقوم حتى يغرسها فليغرسها» .
لا يعني ذلك بالطبع أن نتجاهل فداحة هذه الجائحة التي ألمت بالبشرية ، أو نتوانى في مشاركة العالم كله بالتصدي لها ، والبحث عن وسائل لمعالجتها والتعافي من آثارها ، والتعاطي الجيد مع تداعياتها. ولعل ذلك ما طرقته كلمة صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد ، التي وجهها إلى إخوانه وأبنائه المواطنين والمقيمين ، لتهنئتهم بعيد الفطر المبارك ، حين شدد سموه على أن «الجائحة التي تمر بها الكويت والعالم أجمع ، وبكل قساوتها وأثارها ، تستدعي منا استخلاص المواعظ والعبر» ، وتأكيده أن عالم الغد بعد وباء كورونا «لن يكون على ما هو عليه قبل هذه الجائحة»، ودعوة سموه الحكومة ومجلس الأمة وكل مؤسسات المجتمع المدني الفاعلة ، لاعتماد نهج جديد لمواجهة هذا التحدي الجاد ، «نهج يعيد رسم كويت المستقبل ، يطال نمط حياتنا وسلوكنا ، ويستهدف تصويب مساراتنا» .
ومن ثم فإن هذا الوباء ينبغي أن يشكل منطلقا مهما ، لإعادة ترتيب أولوياتنا ، وضبط مساراتنا ، وإدراك أننا بإزاء مرحلة بالغة الدقة والحساسية ، تتطلب – أول ما تتطلب – أن نرتفع عن الصغائر ، وأن نتجاوز الصراعات والمماحكات السياسية ، التي لا تقدم ولا تؤخر ، ولا تسهم بأي قدر في بناء التنمية الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والثقافية المنشودة . وهي مهمة كبيرة وجسيمة ، لا بد أن تنهض بها في المقام الأول ، السلطتان التنفيذية والتشريعية ، ومعهما – كما اشارت الكلمة السامية بحق – سائر منظمات المجتمع المدني الفاعلة . وقد رأينا أخيرا التداعيات الاقتصادية الخطيرة التي تجتاح العالم كله ، على خلفية انتشار وباء «كورونا» ، وهي تداعيات تتطلب نمطا جديدا من التفكير والتخطيط والابتكار . وهذا كله لن يحقق أي قدر من النجاح إلا بالتعاون والتآزر بين الجميع ، وأن نعمل جميعا صفا واحدا ، من أجل الكويت حاضرا ومستقبلا .
فلنفرح إذن بعيدنا المبارك ، على ألا ينسينا الفرح ما هو منوط بنا من عمل جاد وشاق ، لتجاوز المحنة التي ألمت بنا وبغيرنا من البشر ، مستبشرين بنعمة من الله وفضل ، وبأن الفرج قريب ، مؤمنين بقول الله تعالى «سيجعل الله بعد عسرٍ يسراً» .
وكل عام وأنتم بخير .