من المؤكد أن مناقشة اي اتفاقية دولية توقع عليها الحكومة ، هي أحد الحقوق البديهية التي يعطيها الدستور الكويتي لمجلس الأمة ، كما أن الدستور نفسه والديمقراطية التي تتمتع بها بلادنا ، يتيحان هذا الحق لوسائل الإعلام وللمواطنين عموما ، فنحن دولة دستور وقانون، لا تعرف شيئا اسمه القهر أو القمع ، وتعلي كثيرا من شأن حرية التعبير. ولعل ذلك هو سر قوة الشعب الكويتي ومصدر حيويته .
وهذا بالضبط ما حدث عقب الإعلان عن توقيع اتفاقية «المنطقة المقسومة» بين الكويت والمملكة العربية السعودية ، حيث ثار نقاش موسع حولها ، ليس فقط على الصعيد البرلماني ، بل أيضا عبر الندوات والمحاضرات والديوانيات ، وكذلك من خلال المقالات الصحفية ، ووسائل التواصل الاجتماعي . ونحن لا نرى بأسا في ذلك كله ، بشرط أن تكون هناك ضوابط ومعايير تحكم هذا النقاش ، حتى يكون مفيدا وذا قيمة ، ولا يتحول إلى مجرد تلاسن وتكهنات وسرد معلومات لا تمت للحقيقة بصلة.
وعلى الرغم من أن الحكومة أكدت أن الاتفاقية لا تتضمن أي بنود سرية ، كما أنها لا ترسم حدودا جديدة ، وإنما جاءت ترسيخا لما هو منصوص عليه وقائم سابقا ، فإن ذلك لم يحل دون وجود اجتهادات خاطئة ، لا تستند إلى أي حقائق ، والأخطر من ذلك أنها تسيء إلى تاريخ مجيد وعريق من العلاقات الوثيقة بين الكويت والسعودية وشعبيهما الشقيقين . وضمن ما ردده البعض في هذا الاتجاه حديث عن الدور الذي قام به رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم ، في الوصول إلى الاتفاق الخاص بالمنطقة المقسومة ، وما إذا كان هذا الدور مطلوبا منه كرئيس للسلطة التشريعية أم لا . وفي اعتقادنا أن أي نظرة منصفة لما جرى تؤكد أن الرئيس الغانم قد أدى لوطنه وشعبه ما لم يستطع غيره أن يؤديه أو يقوم حتى بجزء منه . وهو حين مارس هذا الدور كان يستظل بالخيمة الدبلوماسية لصاحب السمو أمير البلاد ، ويستند إلى ذخيرة عظيمة من الخبرة والحكمة والدبلوماسية لسموه، وينطلق في كل تحركاته بتوجيهات من سمو الأمير ، ومباركة لكل ما يقوم به .
ولم يكن الغانم في كل ما أداه من دور بعيدا كذلك عن نبض الشارع الكويتي ، والذي نوقن بأن أي استطلاع أمين للرأي في هذا الشأن ، سيثبت أن غالبية الشعب الكويتي تؤيد رئيس المجلس تأييدا كبيرا ، فيما قام به ، بل وتثق أن هذا الدور سيسجل له بأحرف من نور في تاريخ الكويت ، وفي تاريخ العلاقات بين الكويت والمملكة بوجه خاص ، وهذا ما لمسناه بوضوح من خلال عدد كبير من الديوانيات الكويتية التي زرناها ، خلال الأيام الماضية ، وتأكيد المواطنين على أن الرئيس الغانم قد أسهم بنصيب وافر في معالجة تلك المشكلة ، وإزالة أي سوء فهم قد يقع بيننا وبين أشقائنا في المملكة .
وعلينا أن نعترف أن توقف الإنتاج النفطي من المنطقة المقسومة لعدة سنوات ، قد شكل هاجسا للجانبين ، ليس فقط لما يشكله ذلك من إهدار لثروة مشتركة ينبغي أن يستفيد منها البلدان والشعبان ، وإنما أيضا لأنه يأتي على النقيض من مسار الروابط التاريخية التي تجمع بين البلدين والشعبين الشقيقين ، والتي تزداد كل يوم متانة ورسوخا . ولعل كلمات الغانم خلال الجلسة الخاصة لمجلس الأمة التي استمع فيها النواب إلى شرح من الحكومة حول اتفاقية المنطقة المقسومة، قد عبرت عن ذلك خير تعبير ، خصوصا حين أكد أن سمو ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قال عن الخط الحدودي "إنه مجرد خط شماله الكويت وجنوبه السعودية، ليش نعقد الامور؟" ، وقوله أيضا : "عندما حاولنا أن ننوه بدور المملكة تجاه الكويت أثناء الغزو العراقي ، قال الأمير محمد : "لا تلمح بأي شيء.. إذا احنا وقفنا مع الكويت أيام الغزو ، فالملك عبد العزيز طلع من الكويت عشان تصير السعودية اللي تشوفونها الحين".
من هذا المنطلق فإننا – ومعنا كل المنصفين – نرى أن التحرك الذي قام به الرئيس الغانم ، "يرفع الرأس" ، ويمثل أقصى درجات الوعي بأهمية منصبه ، وبكونه ممثلا للشعب الكويتي، يسعى من أجل تحقيق مصالحه وأهدافه ، في إطار من احترام الدستور والقانون ، ولكن بفهم ذكي وحصيف ، يتيح له من المرونة وحرية الحركة ، ما يجعله قادرا على الإنجاز والوصول إلى الهدف من أقرب طريق .
يبقى أننا كل يوم نزداد إعجابا بمدرسة سمو الشيخ صباح الأحمد الدبلوماسية ، وندرك معها أن اختيار الرئيس الغانم لقيادة مهمة حسم اتفاقية المنطقة المقسومة ، لم يأت من فراغ، ففضلا عن كونه أحد أنجب تلاميذ هذه المدرسة ، فإنه أيضا يحظى بتقدير كبير جدا لدى القيادة السعودية ، نظرا لسجله الحافل بالمواقف الرائعة والتاريخية ، المناصرة لسياسة المملكة ، والمدافعة عن توجهاتها في المحافل البرلمانية الدولية.
إننا أمام إنجاز تاريخي كبير ، يشهد لمدرسة صاحب السمو الأمير الدبلوماسية ، كما يشهد لرئيس برلمان كويتي قدير ، آل على نفسه أن يخدم مصالح بلده وشعبه ، ويبذل الغالي والنفيس من أجل تحقيق هذا الهدف ، مهما كلفه ذلك من مشاق ومتاعب ، يسانده كل أبناء الشعب الكويتي المخلصين ، والعاشقين لتراب هذا الوطن، مستهديا بقول الله تعالى «فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض» .