لعل من المفيد أن نعود اليوم إلى الكلمة المهمة التي ألقاها رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم ، في افتتاح دور الانعقاد البرلماني الرابع ، خصوصا قوله : «إن أمام مجلس الأمة في عامه الرابع استحقاقات وقضايا مزمنة طال انتظار حلها ، وهذه القضايا تحتاج إلى رجال دولة، يتصدون لها ويعيرونها الاهتمام والانتباه الكافيين» . ذلك أن ما قاله الغانم في هذا الصدد يمثل منهجا واضحا في ممارسته للعمل السياسي والبرلماني ، ويترجم بشكل عملي وواقعي مدى إيمانه بأن الاستحقاقات والتحديات التي تواجهها البلاد ، يتحتم أن يتصدى لها رجال دولة قادرون على وضع الحلول والمعالجات المطلوبة لها .. ومن هذا المنطلق فقد كان حديثه أيضا في ديوانية الغنام أخيرا بالغ الأهمية ، لأنه يصب في هذا الاتجاه نفسه ، لاسيما قوله : «أعرف أن من انتخبني لم ينتخبني لأهرب من الملفات المهمة» ، رغم علمه بالثمن الباهظ الذي يدفعه من يجابه تلك الملفات ، والحرب التي تعلن عليه ممن لا يعطون أنفسهم حتى فرصة ، لتبين الأمور ومعرفتها على حقيقتها .
وينبغي أن ننوه أيضا بقوله في الندوة ذاتها : «لسنا خصوماً للبدون فهم إخواني ، وأقول لـ «البدون» : «لا تخاف من أخوك الكويتي». وهذا يشكل أقوى رد على محاولة البعض دمغ كل من يتصدى لتلك الملفات المهمة بـ «العنصرية» ، رغم تأكيد الرئيس الغانم نفسه بأن «هناك من البدون من يستحقون التجنيس، ويجب علينا أن نخاف الله فيهم» ، فهل يجوز اتهام من يقول مثل هذا الكلام بالعنصرية ؟!
إن التأمل الهادئ والعقلاني يؤكد إصرار الرئيس الغانم على ترجمة توجيهات صاحب السمو الأمير ، بإنجاز تشريعات تعالج بعض القضايا العالقة ، كقضية غير محددي الجنسية «البدون» ، والتي لا شك سيسجل تاريخ الكويت أنها ظلت تكبر وتتدحرج ككرة الثلج ، حتى تضخمت بصورة مخيفة ، وباتت تشكل هاجسا يؤرق الجميع ، ويمس بشكل مباشر بأمن واستقرار الكويت .
وبغض النظر عن الموقف من هذا القانون الذي قدمه رئيس المجلس ، بمشاركة عدد من النواب ، فإن الغانم لم يخترق أي محظور دستوري أو قانوني ، وإنما سلك وزملاؤه الطريق الدستوري والقانوني السليم والطبيعي ، وكما ذكر هو فإن القانون المقترح «ليس قرآنًا، وإنما هو اجتهاد بشري قابل للنقاش والطرح والزيادة والنقصان» ، وفي النهاية فإن من سيقرر ويحسم الأمر قبولا أو رفضا هو مجلس الأمة .
ولا شك أن أكثر ما يميز الكويت أنها «دولة قانون» ، ولذلك فإن العنف لا يعرف طريقه إليها ، لا من جانب السلطة ، ولا من جانب المواطنين ، فالكل يؤمن إيمانا راسخا بالديمقراطية، وبأن أساليب ممارستها متاحة للجميع ، وعلى كل المستويات ، وليس فقط تحت قبة البرلمان ، فالنقابات والاتحادات العمالية والطلابية ، تمارس الديمقراطية في أروع صورها وتجلياتها . بل إن الديوانية الكويتية نفسها من أبرز وأفضل أشكال الديمقراطية الكويتية .
في هذا الإطار لا يبدو الغانم منفصلا عن بيئته ومجتمعه، وإنما هو أحد الأبناء البارين والمخلصين لهذا المجتمع ولتلك البيئة . والتزامه بالديمقراطية لا يمكن لأحد أن يزايد عليه. ونعتقد أن إدارته لجلسات مجلس الأمة بحيادية ونزاهة شديدتين ، تؤكد هذا المعنى بوضوح ، كما أن الإنجازات التشريعية الكثيرة التي تحققت خلال رئاسته للسلطة التشريعية تثبت ذلك ، فضلا بالطبع عن الدور الرقابي المهم الذي لم يتجاهله المجلس ، فقد نوقشت فيه استجوابات كثيرة ، وتشكلت به لجان تحقيق لا حصر لها ، تناولت عددا كبيرا من الملفات والقضايا المهمة والحساسة ، ولم يتردد بعضها في التوصية بإحالة بعض المسؤولين إلى النيابة العامة ، حين ثبت لديها وجود مخالفات وتجاوزات، في الجهات موضع التحقيق .
لذلك كله يرى الكثيرون أن تاريخ الحياة البرلمانية، سيذكر للرئيس الغانم الكثير من الإيجابيات والإنجازات، وسيسجل له في المقام الأول أنه رجل محب لوطنه ، عاشق لترابه ، ملتزم بدستوره ، ومؤمن بديمقراطيته .. وهو مع ذلك كله لا يفتئت على أحد ، أو يجور على فئة من الفئات ، بل يسعى إلى تحقيق الخير للكويت وشعبها ، ولكل مقيم على أرضها .