د. بركات عوض الهديبان
يخطئ من يتصور أن قضية غير محددي الجنسية، تهم المنتسبين إلى هذه الشريحة من مجتمعنا الكويتي فقط ، فهذا تصور قاصر وعاجز عن إدراك حقيقة مؤداها أننا بإزاء أزمة تؤرق الكويت كلها ، مسؤولين ومواطنين ، وتشكل هما ثقيلا جثم على صدورنا عقودا من الزمن ، وملأ حلوقنا بمرارة لم يستطع المستوى المعيشي المتميز الذي يحياه مواطنونا ، أن يغطي على هذا الشعور ، أو يخفف منه ، نتيجة إدراكنا بأن هناك من يعيشون بيننا ، وتجمعنا معهم روابط الدم والدين والمعايشة منذ مئات السنين .
من هنا فقد نزل على قلوبنا بردا وسلاما ، ما أكده رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم ، من أن هناك تنسيقا نيابيا - حكوميا ، بناء على توجيهات واضحة من سمو أمير البلاد ، لإيجاد حل تشريعي جذري وشامل لقضية المقيمين بصورة غير قانونية في البلاد ، خلال فترة الصيف ، بما لا يمس الجنسية والهوية الوطنية، وتراعى فيه الجوانب الإنسانية لهم ، وإعلانه بأن هذا الحل سيبدأ بتشريع يصادق عليه مجلس الأمة في بداية دور الانعقاد المقبل ، أو دورة طارئة إن احتاج الأمر لذلك.
والحق أن الكويتيين يشعرون باطمئنان كبير هذه المرة، لأنهم يدركون أن هذا التحرك يأتي بناء على توجيهات واضحة من سمو أمير البلاد ، من أجل وضع حل شامل وعادل لهذا الملف قبل انتهاء الصيف . ونوقن بأن الإنصاف سيشمل الجميع ، وأن من يستحق الجنسية الكويتية ، بناء على الضوابط والمعايير الموضوعة لهذا الغرض سينالها ، وأن الآخرين سيمنحون حقوقهم المدنية والاجتماعية والإنسانية ، كاملة غير منقوصة . وفي هذا الصدد فإننا نشدد على قيمة العدل والإنصاف، ونؤكد أن كل ذي حق ينبغي أن ينال حقه بحسب القانون ، سواء كان المستحق شخصا واحدا أو مليون شخص ، فهذا هو العدل الحقيقي الذي تفرضه الشريعة ويحميه القانون . ولنتذكر جيدا أننا حين نتحدث عن «البدون» ، فإنما نتحدث عن أناس «منا وفينا» - كما يقال» - فهم أهلنا وعشيرتنا ، وتربطنا بهم وشائج الرحم والقربى ، وامتزجت دماؤنا ودماؤهم في حروب عديدة ، دفاعا عن أمتنا العربية ، أو مشاركة في تحرير الكويت من الاحتلال الغادر ، لكنهم يعانون الكثير في حياتهم ، ويتطلعون لإنهاء تلك المعاناة .
وبذلك يطوى هذا الملف تماما ، بحيث يتاح للكويت أن تنطلق في مسيرتها الاقتصادية والتنموية والحضارية، دون قيود تحدها ، أو أعباء تثقل كاهلها ، أو إحساس بالذنب يضغط على أعصابها ، لاسيما أن أمامها الكثير من التحديات ، التي تتطلب استنفار همم وعزائم جميع أبنائها ، وأيضا الاستعانة بجهود المقيمين على أرضها، في ظل توفير الأمن والأمان والاستقرار المعيشي والإنساني لهم .
ولا شك أننا جميعا مدينون في هذا الشأن ، لصاحب السمو «قائد الإنسانية» الذي سيتوج عهده الناصع والحافل بالإنجازات في كل مجال ، بحسم ملف «البدون» ، وإنهاء هذه الأزمة التي أقضت مضاجعنا طويلا ، وسيتذكر التاريخ لسموه هذا الإنجاز الكبير بأحرف من نور . كما أن أحدا لا يمكن أن ينسى الدور المهم الذي أداه رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم ، لطي هذا الملف ، خدمة لمنتسبي «البدون» ، وللكويت والكويتيين أيضا .
ولا يخفى على أحد أيضا الجهود الكبيرة التي قامت بها حكومة سمو الشيخ جابر المبارك ، التي مدت يد التعاون إلى السلطة التشريعية ، وهيأت كل العوامل التي ساعدت على إنجاز هذه المهمة الوطنية الجسيمة، وإنصاف فئة تستحق الإنصاف بالفعل .
إننا لعلى يقين بأن كل أبناء الكويت الذين عملوا في هذا الملف ، انطلاقا من توجيهات سامية حكيمة، قد أخلصوا لوطنهم ، وأدوا مهمتهم على أكمل وجه. وقد آن الأوان لأن يُعطَى كل ذي حق حقه ، وأن تطمئن الكويت إلى أنها بالفعل بلد الرحمة و«مركز الإنسانية» ، وأن أميرها هو بحق «قائد للإنسانية»، وأنها تنبذ الظلم ، وترسخ قيم العدل والإخاء والمساواة ، التي نادى بها الإسلام ، قبل أن يدعو إليها أي تشريع آخر .. يكفينا في ذلك قول الله تعالى «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا .. إن أكرمكم عند الله أتقاكم» .
وستبقى الكويت بإذن الله ، واحة للرحمة والخير والأمن والأمان .