د. بركات عوض الهديبان
على الرغم من كل ما تتمتع به الحياة السياسية والبرلمانية الكويتية من مزايا ، فإنه يظل أحد أبرز عيوبها ، هو استهداف الوزراء الجادين المخلصين ، من أصحاب الخبرات والكفاءات . ونظرة متأملة إلى قائمة من تولوا المناصب الوزارية ، خلال العقدين الماضيين ، تكشف هذا الأمر بسهولة .
ولا يكاد يختلف اثنان على أن وزير المالية الدكتور نايف الحجرف، هو أحد هؤلاء الوزراء من ذوي الكفاءات والخبرات ، كما أن هناك إجماعا على أنه من أصحاب الأيدي النظيفة ، المؤتمنين على المال العام، والقابضين على جمر المصلحة الوطنية ، والرافضين لأي مساومات سياسية على حساب الوطن . ونعتقد أن هذا ما بدا واضحا تماما في جلسة استجوابه الأخير ، حين أكد خلال المناقشة أنه سيبقى «صادقا مخلصا» ، ولن يتأثر بأي استجواب أو ضغط يمارس عليه ، وقوله إن رائده في عمله دائما هو مصلحة الوطن والحفاظ على أداء أعماله بالأمانة والصدق .
ونأتي إلى نقطة مهمة ثار حولها لغط بشأن تعهد وزير المالية ، بإلغاء فوائد الاستبدال . والحق أن الرد الذي قدمه الوزير في هذا الصدد ، كفيل بإقناع أي منصف بصحة موقفه .. فقد تساءل د . الحجرف : لو كان هناك وعد بإلغاء تلك الفوائد ، فلماذا تم تقديم اقتراح بقانون في هذا الشأن ، ونظام الاستبدال معمول به منذ عام 1976 ، فهل اكتشفنا الآن وفجأة ، أنه ربا ؟! وهو رد منطقي وعقلاني بالفعل ، ويقطع الطريق على أي أقاويل لا معنى لها ، تزعم بوجود تعهد من وزير المالية بإلغاء الفوائد . وربما كان مهما أن نستشهد هنا أيضا بما أكده رجال الاقتصاد والقانون ، من أنه لا وجود لشيء اسمه «وعد» في الحياة السياسية ، وإنما هناك قانون ملزم للجميع ، وكذلك نفيهم وجود «ربا» في معاملات الاستبدال ، إذ ليس من المعقول أن تقترض مبلغا ما وتعيده بعد عشر سنوات بالقيمة نفسها . كما أن الدولة كلها – وليس وزير المالية وحده - مؤتمنة على مؤسسة التأمينات الاجتماعية ، ومن غير المتصور أو المقبول – منطقا وعقلا – أن تبدد أموال هذه المؤسسة ، لمجرد التجاوب مع مطالبات نيابية ، لا يهمها في الأغلب سوى تحقيق مكاسب انتخابية، دون مراعاة لخطورة ذلك على المال العام ومستقبل الأجيال القادمة .
ما نقوله ليس دفاعا عن الحجرف ، فهو أقدر بالتأكيد على الدفاع عن نفسه، وقد قام بهذه المهمة خير قيام ، في جلستي الاستجوابين المتتاليين اللذين قدما له خلال الفترة الأخيرة . لكننا ندافع في الحقيقة عن الكويت ، وعن دستور الكويت ومؤسساتها ، ونظامها السياسي الديمقراطي . ندافع عن حق هذا البلد في أن يكون له رجال أكفاء وخبراء في تخصصاتهم ، وأن يشغلوا المواقع التي يستحقونها ، وأن يمنحوا الفرصة الكافية لكي يخدموا وطنهم ، وليحموا مواطنيهم من غائلة الارتجال و«العشوائية» واللامبالاة . نعم نحن ندافع عن الكويت التي نحبها ، ونريدها أن تستمر كما نتمنى .. كويت رجال الدولة ، وكويت العلم والعمل والإخلاص ، كويت التخطيط والدقة والنظام وعمل حساب لكل شيء ، بما في ذلك مصلحة أجيال ستأتي بعدنا ، ومن الأمانة ألا نخيب ظنهم ، أو نهضم حقوقهم في ثروة بلادهم .
أخيرا فإننا موقنون بأن النواب يعون جيدا كل ما تطرقنا إليه ، ويدركون تماما مسؤوليتهم في حماية رجال الدولة المخلصين ، ووقف نزيف الخبرات المهمة والكبيرة التي ينبغي الحفاظ عليها ، والتمسك بها ، ليستمر عطاؤها من أجل الكويت وشعبها .
والمؤكد أن جميع النواب قد لمسوا مدى صدق هذا الرجل، وصونه لأمانة المسؤولية، واحترامه الشديد لقسمه أمام صاحب السمو، وأمام مجلس الأمة، وأنه لذلك يستحق تجديد الثقة به، بل ودعمه، ودعم كل مخلص أمين لهذا الوطن.