د. بركات عوض الهديبان
لم يكن ما حدث من رد الفعل الحكومي السريع والقوي ، تجاه بعض مظاهر الخلل في عدد من مدارس وزارة التربية ، بشأن استعداداتها لبداية العام الدراسي الجديد، إلا مؤشرا ودليلا على جسامة المسؤولية واستشعار حجم الأمانة تجاه الشعب ، ورفض التهاون إزاء أي تقصير في حقوق المواطنين ، والخدمات المقدمة لهم .
هذه الانطباعات نعتقد أنها تكونت لدينا جميعا، ونحن نتابع ما فعله سمو الشيخ جابر المبارك رئيس مجلس الوزراء ، الذي بادر فور علمه بما حدث على الصعيد التربوي ، بالاجتماع بوزير التربية وزير التعليم العالي، ووكيل وزارة التربية والوكلاء المساعدين بالوزارة. وكان سموه واضحا وحاسما تماما خلال هذا الاجتماع ، والذي أكد خلاله رفضه القاطع قبول أي أعذار أو تبريرات لوجود أي قصور أو عجز في مدارس البلاد. وشدد على ضرورة قيام المسؤولين في وزارة التربية وكل المعلمين والاداريين بمسؤولياتهم ، كما طالب سموه بمعالجة سريعة لأي قصور تواجهه المدارس بأسرع وقت ، ومحاسبة كل مقصر ، والتأكيد على أن أبناء الكويت هم أمانة في عنق الجميع، وخلق الأجواء الدراسية المريحة لهم واجب لا يمكن التخلي عنه.
وقد شهدنا عقب ذلك تفعيلا فوريا لتوجيهات سمو رئيس مجلس الوزراء ، عندما أصدر وزير التربية وزير التعليم العالي الدكتور حامد العازمي، قرارا بإحالة كل من وكيل الوزارة ، والوكيل المساعد للتعليم العام وعدد من قياديي الوزارة الى التحقيق، فيما هو منسوب إليهم «من الاخلال بواجباتهم الوظيفية» .
وعلى الرغم من أن سمو الرئيس قد عرف بانتهاجه اللامركزية في الإدارة ، وأنه يمنح جميع المسؤولين صلاحيات واسعة في ممارسة مهامهم وواجباتهم، فإنه عندما يرى أن الأمور تستوجب تدخله ، لا يتوانى عن التدخل لوضع الأمور في نصابها، وتحقيق الإصلاح المنشود ، مستلهما في ذلك توجيهات صاحب السمو الأمير ، التي تشدد دائما على أن المواطن الكويتي هو حجر الزاوية في جميع خطط التنمية الموضوعة، وهو أيضا هدف هذه التنمية وغايتها الأساسية. من هذا المنطلق نستطيع القول إن هناك صفحة جديدة تفتح في مسار الأداء الحكومي ، تؤكد أبرز سطورها على أنه لا يمكن قبول أدنى درجة من درجات التهاون في أداء المسؤولين الحكوميين لمسؤولياتهم وواجباتهم، وأن الدولة التي توفر كل الإمكانات المطلوبة لراحة المواطنين وإسعادهم والقيام بمصالحهم ، والقيام بأعباء التنمية على أكمل وجه ، لا يمكن أن تقبل بأن يأتي مسؤول أيا كان موقعه ، ويبدد كل تلك الجهود والإمكانات، بتقصيره أو عجزه عن إدارة الموارد المتاحة له بشكل جيد وفاعل.
وفي اعتقادنا أن هذا هو الدرس الأهم ، الذي يمكن استخلاصه من تلك التجربة التي مرت بها وزارة التربية أخيرا ، ونتمنى أن تكون الرسالة من هذا الدرس قد وصلت للجميع . لقد سبق لنا أن وصفنا سمو الرئيس بأنه «القوي الأمين» ، وها هي الأيام تثبت في الكثير من المواقف والتجارب، مدى صدق هذه المقولة ، وجدارة سموه بها ، وجدارته من قبل ومن بعد بالثقة الكبيرة التي أولاه إياها صاحب السمو الأمير ، وأنه ظل على الدوام عند حسن ظن قائده وشعبه به ، فضلا عن تأسيه في هذا الصدد أيضا بالتوجيه القرآني الكريم ، الذي يجعل من أداء الأمانة واجبا عظيما وكبيرا ، على كل من يتولى شأنا من شؤون المسلمين ، كما في قوله تعالى «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ»، وكذلك التوجيه النبوي الكريم الذي يؤكد في حديث شريف أن «كلكم راع ومسؤول عن رعيته ؛ فالإمام راع وهو مسؤول عن رعيته ، والرجل في أهله راع وهو مسؤول عن رعيته ، والمرأة في بيت زوجها راعية وهي مسؤولة عن رعيتها ، والخادم في مال سيده راع وهو مسؤول عن رعيته»، وهو أمر يدفعنا إلى المباركة والاحتفاء بهذا النهج الذي يصب دوما في مصلحة الوطن والمواطن .