لا تنبع أهمية مؤتمر الكويت الدولي لإعادة إعمار المناطق المحررة في العراق ، الذي استضافته البلاد الأسبوع الماضي ، من كونه نجح في جمع أكثر من ثلاثين مليار دولار ، للإسهام في هذه المهمة الكبيرة ، وإنما تنبع أيضا – وربما بالدرجة الأهم – من الدور الكبير الذي لعبته الكويت ، بقيادة صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد ، لإقناع المجتمع الدولي بأن العراق أصبح بلدا آمنا ومستقرا، بعد نجاحه المشهود في القضاء على الإرهاب في أراضيه، خصوصا أخطر تنظيماته «داعش» ، وشروعه في إستراتيجية سياسية ومجتمعية جديدة ، بما يضمن له مناخا آمنا ومشجعا لاستقطاب الاستثمارات العربية والأجنبية .
ولقد كانت الكويت واعية تماما بأهمية هذا البعد ، وهو ما أكده سمو الأمير ، حين قال في كلمته بافتتاح مؤتمر «إعادة الإعمار» : «إن العراق في مواجهته وتصديه للإرهاب ، إنما كان يؤدي دورا تاريخيا ومشرفا لدحر التنظيمات الإرهابية ، التي أحالت حياة العراقيين في المناطق التي سيطرت عليها إلى جحيم ، فمن نازح بلا مأوى ، وجريح بلا علاج ، وجائع بلا طعام» .
ولا شك أن كثيرا من المراقبين توقفوا عند هذا الحرص الكويتي ، على ترسيخ أمن واستقرار العراق ، بالرغم مما نال الكويت من أضرار بالغة، على يد النظام العراقي البائد ، الذي غزا البلاد ، وعاث فيها فسادا ودمارا . غير أن كل مراقب حصيف ولديه قدر جيد من الوعي السياسي ، سيدرك جيدا أن رؤية صاحب السمو الأمير هي رؤية حكيمة وخبيرة ، فضلا عن ما فيها بالطبع من إنسانية ورحمة وتسامح ، ذلك أن أمن واستقرار العراق ، هو بالضرورة «أمن واستقرار للكويت والمنطقة»، وهو ما شدد عليه سموه لدى استقباله الوفد الإعلامي العراقي ، الذي شارك في تغطية مؤتمر إعادة الإعمار .
وإضافة إلى شهادات كبار المسؤولين العراقيين الذي شاركوا في المؤتمر ، وعلى رأسهم رئيس الوزراء حيدر العبادي ، والتي أشادت بدور الكويت الكبير ، وجهود صاحب السمو الأمير في الوقوف مع العراق ودعمه لإعادة إعمار مناطقه المحررة من تنظيم «داعش» ، فإن من المهم أيضا أن نتوقف أيضا عند شهادة الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريس ، الذي لفتت كلمته الأنظار بقوة ، حين نوه بأن الدور الذي يؤديه سمو الأمير الشيخ صباح الاحمد ، ليس مقصورا على دعم العراق ، فقد كان سموه – كما قال غوتيريس – «من اوائل الزعماء وقوفا مع مشكلة اللاجئين السوريين ، في وقت كانت هناك لامبالاة من الاسرة الدولية»، وتأكيده أنه «بفضل رؤية وشجاعة وصبر وعزم سمو الأمير ، تحقق جمع الاسرة الدولية باقامة ثلاث مؤتمرات في الكويت لتخفيف اوضاع اللاجئين السوريين ، وإشارته كذلك إلى أن مظلة الاهتمام الكويتي امتدت لتشمل الاقلية المسلمة في ميانمار «الروهينغيا» ، حيث دعت الكويت لعقد مؤتمر دولي بشأن «الروهينغيا» .
هذه الصورة الرائعة للكويت وقيادتها السياسية، والتي دفعت الأمين العام للأمم المتحدة ، إلى القول أيضا : «كلنا ممتنون لصاحب السمو الشيخ صباح الأحمد ، على دعمه لبلدان المنطقة والعالم»، تعد بالفعل هي الصورة الحقيقية للكويت ، كويت الإنسانية والرحمة ، والتي تنطلق في سياساتها وتوجهاتها ، من قيم الإسلام ومبادئه العظيمة ، التي تدعو الأمة كلها إلى التكاتف والتضافر ، وتحث على التعاطف والتراحم ، والاجتماع دائما على الخير ، كما في قوله تعالى «وتعاونوا على البر والتقوى، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان» ، وكذلك ما ورد من إشارات لا حصر لها في السنة النبوية المطهرة ، وتأكيدها على معنى عظيم ، يمثله الحديث النبوي الشريف «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم ، كمثل الجسد الواحد ، إذا اشتكى منه عضو ، تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى» .
كما أن الكويت توسع دائرة اهتماماتها الإنسانية ، لتُظل كل المحتاجين إلى دعمها ومساندتها ، على ظهر هذا الكوكب ، إيمانا منها بأن الله خلق البشر «شعوبا وقبائل ليتعارفوا» ، بما يعني أن ديننا العظيم أرسى مبدأ التعايش بين كل بني البشر ، بغض النظر عن انتماءاتهم العرقية أو الدينية ، من قبل أن تتحدث عن ذلك مواثيق حقوق الإنسان بمئات السنين .
وستمضي الكويت بقيادتها الحكيمة ، لترسخ هذه المعاني العظيمة ، وتجعل منها دستورا للتعامل بين بني الإنسان ، في كل زمان ومكان .