د.بركات عوض الهديبان
عندما يتأمل المرء في تلك المشاهد الإنسانية الرائعة ، التي تجمع بين صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد ، وإخوانه وأبنائه المواطنين ، حين يتوجه سموه للتعزية في أحد المتوفين من أبناء شعبه ، يتذكر تلك الآية القرآنية العظيمة « وألّف بين قلوبهم .. لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم» .. ويحمد الله على هذه «الألفة» التي تجمع بين الشعب وقائده ، وتوحد مشاعرهم على المحبة والخير .. ويتذكر أيضا حديث النبي صلى الله عليه وسلم : «إن المقسطين عند الله على منابر من نور ، عن يمين الرحمن عز وجل ، وكلتا يديه يمين ، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا» .. يتذكر هذا الهدي القرآني والنبوي ، ويحمد الله على ما أفاء به علينا من نعم ، وأعظمها وأجلها – من بعد نعمة التوحيد والإسلام – نعمة يعرفها أهل الكويت جيدا ، ونعني بها الحكم العادل الرحيم ، والحاكم الذي يصل ما بينه وبين رعيته ، ويتقي الله فيهم ، ويتفقد شؤونهم وأحوالهم ، ويشاركهم أفراحهم وأحزانهم ، ويواسيهم في مصائبهم ، ويأسو جراحهم ويشعرهم بقربه منهم وحنوه عليهم .
ولقد كانت رؤيتنا لصاحب السمو الأمير ، وهو يذهب بنفسه إلى أسر الفنان الكبير الراحل عبد الحسين عبد الرضا ، والشيخين الدكتور وليد العلي وفهد الحسيني ، وكلماته الطيبة لهم ، مما خفف عنهم وعنا جميعا آلام الفقد ، ووقع المصاب ، وقسوة الفراق .. وكم كانت كلمات سموه لوالد المغفور له بإذن الله الدكتور وليد العلي مؤثرة في نفوس الجميع ، لاسيما وهو يقول له : «أنتم أهلنا ، وإن شاء الله تكون نهاية الأحزان» ، في إشارة من سموه إلى أن توجيهه بإرسال طائرة أميرية لنقل جثماني الشهيدين العلي والحسيني من بوركينا فاسو ، كان أمرا طبيعيا متوقعا من أب عطوف تجاه أبنائه ، كما فعل سموه أيضا بتخصيص طائرة لنقل الفنان عبد الرضا من لندن إلى الكويت .. وكذلك كان رد والد العلي الذي وجه الشكر لسموه ، وقال فيه «عزاؤنا بكم ، فنحن لا نفقد أحداً وسموكم على قيد الحياة ، وكلمة سموكم «هذولا عيالي» لمسناها قولاً وفعلاً، وحنا عيالك، وفيتم وكفيتم» ، معبرا أيضا عن تجاوب كل الكويتيين مع هذا الموقف السامي النبيل من صاحب السمو الأمير .
لقد كانت فاجعة الكويت كبيرة باغتيال الشهيدين وليد العلي وفهد الحسيني ، اللذين استشهدا في الاعتداء الإرهابي الآثم على أحد المطاعم في «واغادوغو» عاصمة بوركينا فاسو ، يوم الاثنين الماضي ، كما كان الحزن شديدا على رحيل واحد من أكبر فنانيها، وأكثرهم إخلاصا للفن الهادف والراقي ، لكن مواقف قيادتنا الحكيمة ، خففت عنا كثيرا من الآلام والأحزان ، وحولت الفاجعتين الكبيرتين ، إلى مناسبتين وطنيتين ، شعر من خلالهما الكويتيون بأنهم أسرة واحدة ، بل جسد واحد ، «إذا اشتكى منه عضو ، تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى» .
نعم إن «العين لتدمع ، وإن القلب ليحزن ، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا» ، وفي الوقت نفسه فإننا نتوجه بكل الامتنان والعرفان إلى صاحب السمو الأمير ، وسمو ولي عهده الأمين ، على ما كل ما يقدمانه لشعبهما الوفي ، داعين الله أن يديم هذه الألفة والمودة ، وأن ينعم على الكويت دائما بالأمن والأمن ، والسكينة والسلام .