د. بركات عوض الهديبان
على الرغم من أن الدول العربية لم تتوقف يوما، منذ حصولها على استقلالها من الاستعمار البريطاني أو الفرنسي أو الإيطالي، عن مواجهة كل أشكال التحديات السياسية والاقتصادية والثقافية، فإن ما تواجهه اليوم من تحديات، ربما يكون الأكبر والأخطر في تاريخها كله، لاسيما عقب اندلاع ثورات الربيع العربي، وما ترتب عليها من تداعيات شكلت تهديدا صريحا ومباشرا لأمن واستقرار معظم دول المنطقة، بل وشكلت خطرا على بقائها ذاته.
من هنا تبدو أهمية القمة العربية الخامسة والعشرين التي تستضيفها الكوييت غدا، والتي تأتي وسط ظروف إقليمية ودولية بالغة الدقة والحساسية، ففضلا عن القضايا والملفات المعتادة ، والمتداولة على جدول أعمال معظم القمم السابقة، وفي الصدارة منها بالطبع : القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي، وأزمة الجزر الإماراتية ، وتراجع معدلات التبادل التجاري بين الدول العربية ، ونقص المياه، والبطالة المتفشية بين الكثير من شباب الأمة، فإن هناك ملفات أخرى استجدت لا تقل أهمية وخطورة ، كملف الأزمة السورية ومعاناة الشعب السوري الشقيق ، حيث حصد الصراع الدموي الذي يدور على أرضه منذ ثلاث سنوات، أرواح عشرات الآلاف من أبنائه ، وشرد الملايين منهم في المنافي داخل سوريا وخارجها، وكذلك توتر الأوضاع السياسية في كل من مصر واليمن ولبنان، ومكافحة الإرهاب، وغيرها.
إن الأمة العربية أمام مفترق طرق ، إما أن يقودها – لا قدر الله - إلى الضياع والانهيار الكاملين، وإما أن يدفعها – على الأقل بحكم غريزة «حب البقاء» – إلى استعادة وحدتها وتعاونها وإنجاز مطلب «التكامل» فيما بينها ، ولنا في دروس التاريخ عبرة ، فقد كانت المحن والشدائد التي تعرضت لها الكثير من الأمم والشعوب ، حافزا قويا لاستنهاض همم أبنائها، وحثهم على الاحتشاد والعمل الجاد المخلص ، حتى استطاعوا تجاوز كل المخاطر التي كانت تبدو عصية على الحل ، وعلينا أن نستعيد هنا ما لفت إليه العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، في حديث أخير له بمناسبة القمة ، عندما قال : «لنتذكر أن بعض القوى استغلت ضعف التضامن العربي ، للتأثير في الازمات التي يواجهها العرب بما يخدم مصالحها».
ولقد قدمت الكويت نموذجا رائدا في الإعداد لهذه القمة، والسعي لتغليب روح التوافق بين الدول الشقيقة ، عبر مساعٍ قادها منذ فترة صاحب السمو أمير البلاد ، وتحرك في إطارها نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية الشيخ صباح الخالد .. ويبقى أن التوفيق من عند الله سبحانه، لتنجز هذه القمة أحلام وطموحات شعوبها، وتتجاوز كل المخاطر التي تهدد وحدة الأمة، وتحول دون بلوغها أهدافها وغاياتها.