
أكدت وزيرة المالية ووزيرة الدولة للشؤون الاقتصادية والاستثمار نورة الفصام أمس الأحد ضرورة العمل على تعزيز التكامل الاقتصادي بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية الذي يعد ركيزة أساسية لتعزيز التنافسية وتحقيق النمو المرن والمستدام لدول المجلس.
جاء ذلك في كلمة الوزيرة الفصام خلال الاجتماع الـ123 للجنة التعاون المالي والاقتصادي لمجلس التعاون لدول الخليج العربية الذي استضافته دولة الكويت بحضور الأمين العام للمجلس جاسم البديوي ووزراء المال والاقتصاد بدول مجلس التعاون.
وقالت إن التحديات الاقتصادية الجسيمة التي يمر بها العالم حاليا بدءا من التوترات الجيوسياسية وصولا إلى التقلبات في أسواق الطاقة والغذاء تحتم علينا الوقوف صفا واحدا وبذل المزيد من الجهد لتعزيز العمل الخليجي المشترك لمواجهتها بكل فعالية وإيجاد الحلول المناسبة لها.
وأضافت أن الناتج المحلي الإجمالي لدول الخليج بلغ نحو 2ر2 تريليون دولار أمريكي في العام 2024 مبينة أن التوقعات تشير إلى استمرار النمو الاقتصادي خلال العام الحالي مدفوعا بشكل خاص بالقطاعات غير النفطية وجهود التنويع الاقتصادي في المنطقة والاستثمارات في البنية التحتية والتوسع في المشاريع السياحية والطاقة المتجددة.
وأوضحت أن هذا الرقم سيجعل اقتصاد دول الخليج من ضمن أكبر 10 اقتصاديات في العالم من حيث الناتج المحلي.
وذكرت أن الاجتماع يستهدف تعزيز أطر التعاون المالي والاقتصادي بين دول الخليج وكيفية التعامل مع المستجدات الإقليمية والدولية المتسارعة والتنسيق والتكاتف والتماسك لمواجهة تلك التحديات واقتناص الفرص الاقتصادية والاستثمارية واكتشاف فرصة جديدة للبناء على ما تحقق من انجاز كبير خلال العقود الماضية.
وبينت أن الاجتماع يمثل فرصة ثمينة للخروج بأفكار وتوصيات تدعم الجهود الرامية لدفع مسيرة العمل وتحقيق لتطلعات قادة دول مجلس التعاون وخدمة مواطني الدول ورفاهيتهم.
وأفادت الفصام بأن الاجتماع سيناقش استكمال متطلبات قيام الاتحاد الجمركي بنهاية العام 2025 وفقا لقرار مقام المجلس الأعلى في دورته ال45 واعتماد وثيقة آلية تطبيق معايير المنتج الوطني (الخليجي) وتعديل الحد الأدنى للرسم النوعي على التبغ ومشتقاته في التعرفة الجمركية الموحدة وتقليص قائمة المهن والأنشطة غير المسموح بمزاولتها من قبل مواطني دول المجلس.
من جهته قال الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية جاسم البديوي في كلمة مماثلة إن دول المجلس حققت الكثير من الانجازات المهمة التي من شأنها تعزيز مكانتها كمركز مالي واستثماري واقتصادي عالمي لافتا إلى أنها تمضي قدما تجاه استكمال الخطوات اللازمة للوصول إلى التكامل الاقتصادي الخليجي.
وأضاف البديوي أن الاجتماع يناقش موضوعات مهمة متعلقة بالتعاون المالي والاقتصادي المشترك والتي من شأنها تعميق التكامل الاقتصادي بينها وتعظم استفادة مواطنيها من المكاسب الاقتصادية التي تم تحقيقها في إطار الاتحاد الجمركي والسوق الخليجية المشتركة.وأكد حرص دول المجلس على إقامة علاقات استراتيجية مع المجموعات الاقتصادية الدولية في مختلف المجالات والتي تعكس مكانتها الاقتصادية العالمية.
ولفت إلى أن من المؤشرات التي تبرز المكانة الاقتصادية لدول المجلس أنها واصلت تحقيق معدلات تنمية تعزز مكانتها كقوة اقتصادية عالمية وكمحرك للنمو الإقليمي إذ تحتل أسواق المال الخليجية المرتبة السابعة عالميا من حيث القيمة السوقية بنسبة استحواذ تصل إلى 3ر4 في المئة من إجمالي الأسواق العالمية.
وذكر أن دول المجلس حققت قفزات في مؤشرات القيمة المضافة للقطاع غير النفطي إذ بلغت نسبة مساهمة الأنشطة غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي 9ر75 في المئة خلال عام 2024 مع استمرار دول المجلس في تنفيذ استراتيجيات للتنويع الاقتصادي.وأفاد بأن دول المجلس مصنفة ضمن أكثر دول العالم من حيث الجاهزية لتطبيق الاقتصاد الرقمي ولديها البنى التحتية الحديثة سواء من ناحية استخدام القطاع الخاص والأفراد لتطبيقات الثورة الصناعية الرابعة.
وأكد أن تلك المؤشرات تعد دلالة واضحة على الفرص الكبيرة والمكانة البارزة لاقتصاديات دول المجلس معربا عن تطلعه إلى المزيد من التعاون والتنسيق لخلق اقتصادات موحدة وضخمة تكون عاملا ذا تأثير في الاقتصاد العالمي.
التوصيات الصادرة عن الاجتماع التحضيري
وفي ذات السياق أقرّ الوزراء التوصيات الصادرة عن الاجتماع التحضيري الثالث والسبعين لوكلاء وزارات المالية، والتي ركزت على استكمال متطلبات الاتحاد الجمركي الخليجي من خلال نقطة دخول واحدة، وتعزيز السوق الخليجية المشتركة، وتسهيل حركة التجارة وانتقال الأيدي العاملة، إلى جانب دفع مفاوضات الاتفاقيات التجارية مع شركاء دوليين. وتمثل هذه المبادرات خطوة أساسية نحو بناء بيئة اقتصادية متكاملة تدعم التنافسية والمرونة والازدهار المشترك.
تعزيز التعاون الإقليمي عبر اتفاقيات استراتيجية
وفي هذا الإطار، شهد الاجتماع توقيع اتفاقيتين ثنائية تهدف إلى دعم مسار التعاون المالي الإقليمي، وتعزيز التكامل الاقتصادي بين الدول الأعضاء.
والاتفاقية الأولى كانت مذكرة تفاهم للتعاون المالي بين دولة الكويت والمملكة العربية السعودية، ووقّعتها وزير المالية الكويتية نورة الفصام والوزير السعودي محمد بن عبدالله الجدعان. وتوفّر المذكرة إطاراً للتنسيق في القضايا المالية على المستويين الإقليمي والدولي، وتشمل مجالات تطوير السياسات المالية والتشريعات والأنظمة بما يحقق المصالح المشتركة للبلدين.أما الاتفاقية الثانية، فهي اتفاقية نهائية لتجنب الازدواج الضريبي ومنع التهرب الضريبي على الدخل ورأس المال بين دولة الكويت ودولة قطر. وقّعت الاتفاقية الفصام ونظيرها القطري الوزير علي بن أحمد الكواري، حيث تهدف إلى تسهيل الاستثمارات وتعزيز تدفق رؤوس الأموال بين البلدين، إلى جانب توحيد التوجهات في السياسات الضريبية. وتشمل الاتفاقية إعفاءات وتخفيضات ضريبية على الأرباح والفوائد والإتاوات، وتمنح معاملة تفضيلية للجهات الاستثمارية الحكومية، كما تنص على آليات للتسوية المتبادلة للنزاعات الضريبية المستقبلية بين البلدين.
تنسيق السياسات ومواكبة التحولات الاقتصادية
وفي هذا السياق، شدّد الوزراء خلال الاجتماع على أهمية توحيد المواقف وتنسيق السياسات الاقتصادية، مؤكدين أن مرور 44 عاماً على تأسيس مجلس التعاون يستدعي البناء على ما تحقق ومواصلة دفع مسيرة التكامل الاقتصادي، بما يسهم في تعزيز مرونة الاقتصاد الخليجي في مواجهة المتغيرات الدولية المتسارعة. وأكدوا أن من أبرز التحديات الحالية قرارات الإدارة الأمريكية بشأن رفع الرسوم الجمركية على دول العالم، وهو ما يتطلب من دول مجلس التعاون دراسة معمقة وتنسيقاً مشتركاً لحماية مصالحها الاقتصادية.وأشاد الوزراء بنتائج القمة الخليجية–الآسيوية التي عُقدت الأسبوع الماضي، حيث أطلقت مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة مع ماليزيا، معتبرين هذه الخطوة مثالاً عملياً على سعي مجلس التعاون لتوسيع شراكاته الاقتصادية، وتأكيد حضوره كمجموعة تفاوضية موحدة في النظام التجاري العالمي. كذلك تم التأكيد على أن الوصول إلى أسواق جديدة وتهيئة بيئة أعمال محفزة للاستثمار يُعدان من أولويات المرحلة المقبلة، في ظل التنافس العالمي المتزايد وتغير توجهات الاقتصاد.
كما أشار الوزراء إلى أن قدرة مجلس التعاون على تعزيز الاستقرار الإقليمي من خلال التنسيق الدبلوماسي تظل عاملاً محورياً في دعم قوته الاقتصادية، حيث تعتمد ثقة المستثمرين، والمشاريع المشتركة، والتخطيط الاقتصادي طويل الأمد، على وجود بيئة مستقرة وآمنة في المنطقة.
وفي ختام الاجتماع، أكدت المهندسة نورة سليمان الفصام على دور دول الخليج في رسم ملامح المرحلة المقبلة من التنمية الإقليمية، قائلةً: “إن التكامل الاقتصادي اليوم لم يعد يقتصر على الحدود والتجارة، بل بات يرتبط بشكل وثيق بكيفية تعامل الدول الأعضاء مع التحديات والفرص المشتركة، مثل الطاقة، والتقنيات الناشئة، والاستقرار الجيوسياسي. ويعكس هذا الاجتماع إجماعاً خليجياً واضحاً: نحن لا نُدير التكامل فقط، بل نُعيد تشكيله. فبعد أربعة وأربعين عاماً، يُعدّ مجلس التعاون اليوم مثالاً حياً على التعاون الإقليمي الفاعل القائم على المرونة الاقتصادية، والنمو المستدام، والحضور العالمي المؤثر.”