أوضح التقرير الأسبوعي عن أسواق النقد الذي يصدره البنك الوطني، أن الأسواق العالمية شهدت هذا الأسبوع تحولات بارزة نتيجة لصدور عدد من البيانات الاقتصادية وقرارات البنوك المركزية. ففي الولايات المتحدة، استقر التضخم عند 2.7 % في نوفمبر، بما يتسق مع التوقعات، بينما ارتفعت طلبات الحصول على إعانات البطالة إلى 242 ألف طلب، مما يشير إلى تباطؤ ملحوظ في سوق العمل. وساهمت هذه التطورات في تعزيز التوقعات باتخاذ خطوة جديدة من مجلس الاحتياطي الفيدرالي نحو خفض أسعار الفائدة لدعم النشاط الاقتصادي. وعلى صعيد العملات، شهد الدولار الأمريكي ارتفاعاً ملحوظاً منذ أواخر شهر سبتمبر بدعم من التوقعات المتعلقة بفرض التعريفات الجمركية واتباع سياسات مالية أكثر مرونة في ظل الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة دونالد ترامب. أما في كندا، خفض بنك كندا سعر الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس إلى 3.25 %، مستشهداً بتباطؤ النمو الاقتصادي، مع الإشارة إلى إمكانية تبني المزيد من السياسات التيسيريه في المستقبل. وفي أوروبا، اتخذ البنك المركزي الأوروبي خطوة خفض سعر الفائدة على الودائع بمقدار 25 نقطة أساس إلى 3 %، وسط توقعات بتراجع النمو في منطقة اليورو وانخفاض قيمة العملة الأوروبية. أما البنك الوطني السويسري، فقد فاجأ الأسواق بخفض سعر الفائدة بمعدل أكبر من المتوقع بلغ 50 نقطة أساس، بهدف مواجهة تراجع الضغوط التضخمية. وفي بريطانيا، انكمش الاقتصاد بنسبة 0.1 % في أكتوبر، مما زاد من الضغوط التي تتعرض لها حكومة حزب العمال لتنشيط النمو الاقتصادي في ظل استمرار التحديات المحلية والدولية. وفي منطقة آسيا والمحيط الهادئ، تراجع مؤشر أسعار المستهلكين في الصين إلى أدنى مستوياته المسجلة في خمسة أشهر عند 0.2 % على أساس سنوي في نوفمبر، بينما انخفض مؤشر أسعار المنتجين بنسبة 2.5 %، الأمر الذي دفع السلطات الصينية إلى تبني سياسة نقدية "مرنة نسبياً". وفي أستراليا، أبقى بنك الاحتياطي الأسترالي على سعر الفائدة النقدية عند 4.35 %، لكنه ألمح إلى احتمال خفضها في العام 2025، مستنداً إلى تحسن معدل البطالة الذي بلغ 3.9 %. وتعيد هذه التطورات المتسارعة تشكيل توقعات النمو العالمي والسياسات النقدية، مما ترك بصمة واضحة على معنويات السوق وأعاد صياغة استراتيجيات المستثمرين عبر مختلف المناطق.
الولايات المتحدة وكندا
أعلن الرئيس المنتخب دونالد ترامب بقاء جاي باول في منصب رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي حتى انتهاء ولايته في مايو 2026، مما يخفف المخاوف بشأن استقلالية البنك المركزي. في المقابل، كشف ترامب عن خطط اقتصادية شاملة تشمل فرض رسوم جمركية واسعة النطاق، وترحيل جماعي للمهاجرين غير الشرعيين، هذا إلى جانب التخفيضات الضريبية مع بدء فترته الرئاسية في يناير. ويرى خبراء الاقتصاد أن هذه السياسات قد تزيد الضغوط التضخمية، مما يقيد قدرة الاحتياطي الفيدرالي على مواصلة خفض سعر الفائدة بنفس الوتيرة. وتجدر الإشارة إلى أن البنك المركزي خفض بالفعل سعر الفائدة القياسي بمقدار 75 نقطة أساس عبر تخفيضين منذ سبتمبر، مع الإشارة إلى تباطؤ وتيرة التخفيضات المحتملة في العام 2025. إلى جانب ذلك، أكد ترامب عزمه على تقليص المساعدات لأوكرانيا، وخفض الإنفاق الحكومي، وترحيل المهاجرين غير الشرعيين، مع التفاوض بشأن مسارات قانونية للبعض. ويشار إلى أن مؤشر الدولار الأمريكي أنهى تداولات الأسبوع عند مستوى 107.003.
معدل التضخم
سجل معدل التضخم في الولايات المتحدة ارتفاعاً هامشياً ليصل إلى 2.7 % على أساس سنوي في نوفمبر، مقابل 2.6 % في أكتوبر، وفقاً لبيانات مكتب إحصاءات العمل. كما ارتفع معدل التضخم الأساسي، الذي يستثني تكاليف الغذاء والطاقة، بنسبة 3.3 % على أساس سنوي. ويأتي ذلك وسط توقعات بإقدام الاحتياطي الفيدرالي على خفض سعر الفائدة مرة أخرى بمقدار 25 نقطة أساس خلال الأسبوع المقبل، ليتراوح النطاق المستهدف بين 4.25 % و4.5 %. إلا انه على الرغم من ذلك، يظل مسؤولو البنك المركزي حذرين بشأن وتيرة التعديلات المستقبلية على أسعار الفائدة، في محاولة لتحقيق التوازن بين كبح التضخم واستقرار سوق العمل. كما انه على الرغم من النمو القوي الذي شهدته الوظائف خلال شهر نوفمبر، إلا أن معدل البطالة ارتفع إلى 4.2 %، مما يعكس تصاعد الضغوط التي يتعرض لها الاقتصاد. وفي سياق متصل، حذرت وزيرة الخزانة الأمريكية، جانيت يلين، من أن التعريفات الجمركية المقترحة من قبل الرئيس المنتخب دونالد ترامب قد تؤدي إلى زيادة الأعباء المالية على الأسر وتعرقل جهود السيطرة على التضخم. وفي الوقت الذي تستوعب فيه الأسواق هذه التطورات، يتم حالياً تسعير توقعات خفض سعر الفائدة بنحو 73 نقطة أساس بنهاية العام 2025.
تصاعد الضغوط التضخمية
سجل مؤشر أسعار المنتجين في الولايات المتحدة نمواً بنسبة 3 % على أساس سنوي في نوفمبر، متجاوزاً التوقعات البالغة 2.6 % ومقارنة بنسبة 2.6 % المسجلة في أكتوبر، وفقاً لبيانات مكتب إحصاءات العمل. وعلى المستوى الشهري، تسارع نمو المؤشر إلى 0.4 %، بعد ارتفاعه بنسبة 0.3 % في أكتوبر و0.2 % في سبتمبر، مما يعكس اتجاهاً تصاعدياً واضحاً في تضخم أسعار الجملة. وتسلط هذه البيانات الضوء على ارتفاع تكاليف المنتجين، والتي قد تشكل مؤشراً على تصاعد الضغوط التضخمية التي يتم تمريرها إلى المستهلكين. ويرى المحللون أن تسارع مؤشر أسعار المنتجين يعكس ارتفاع تكاليف المدخلات عبر مختلف القطاعات، ما يعزز احتمالات تأثيره على السياسة النقدية. في ظل هذه التطورات، يواجه الاحتياطي الفيدرالي أحد أبرز التحديات، والذي يتمثل في تقييم مسار التضخم قبيل اجتماعه المرتقب الأسبوع المقبل. ومع تزايد إمكانية تمرير الشركات لهذه التكاليف الإضافية إلى المستهلكين، فقد تكتسب الضغوط التضخمية المزيد من الزخم.
إعانات البطالة
ارتفعت الطلبات الأولية للحصول على إعانات البطالة في الولايات المتحدة بمقدار 17 ألف طلب إلى 242 ألف طلب معدلة موسمياً، للأسبوع المنتهي في 7 ديسمبر، متجاوزة توقعات الاقتصاديين البالغة 221 ألف طلب، وفقاً لوزارة العمل. كما ارتفع عدد المطالبات المستمرة، الذي يمثل الأفراد الذين يتلقون إعانات بعد الأسبوع الأول من المساعدات، بمقدار 15 ألف طلب ليصل إلى 1.886 مليون طلب، مما يشير إلى أن بعض الأشخاص الذين جرى تسريحهم من العمل يعانون فترات أطول من البطالة. وارتفع معدل البطالة إلى 4.2 % في نوفمبر بعد أن ظل مستقراً عند 4.1 % لمدة شهرين، مما يعكس تباطؤ سوق العمل. ويزيد هذا التراجع من احتمالية خفض مجلس الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة الأسبوع المقبل، على الرغم من التقدم المحدود في كبح التضخم، حيث يظل سعر الفائدة القياسي للبنك المركزي عند 4.50-4.75 %.