في ظل ما يشهده العالم من أزمات سياسية وتغيرات مناخية تواجه دولة الكويت كغيرها من دول المنطقة تحديات جسيمة أمام تحقيق الأمن الغذائي في ظل تزايد الطلب على الغذاء والاعتماد الكبير على الاستيراد وشح المنتج الغذائي المحلي ما يجعلها عرضة لتقلبات الأسعار العالمية.
وتظهر حاجة الكويت إلى تبني استراتيجيات جديدة لمواجهات تحديات الأمن الغذائي من خلال تنويع مصادر الغذاء وتعزيز الزراعة المستدامة وتحسين إدارة الموارد المائية وتشجيع التوعية بأساليب التغذية الصحية من خلال تعزيز الاستثمار في البنية التحتية في قطاعات الزراعة وصناعة المواد الغذائية والثروة الحيوانية.
ويشتمل مفهوم الأمن الغذائي على جوانب اقتصادية واجتماعية وثقافية وبيئية وسياسية ما يدعو إلى ضرورة الانتقال من مرحلة تبني السياسات العامة إلى نظم غذائية مستدامة تهدف إلى ضمان عناصر الأمن الغذائي الأربعة وهي التوافر والوصول والاستفادة والاستقرار.
البنك الدولي أدرج في تقرير نشر في 29 يناير 2024 على موقعه الرسمي ملف الامن الغذائي ضمن التحديات الثمانية الحاسمة التي يواجهها العالم ويتعين التصدي لها على نطاق دولي واسع.
وكان مجلس الوزراء قد قرر في أغسطس 2022 إنشاء «اللجنة الوطنية العليا لتعزيز منظومة الأمن الغذائي والمائي» يكون لها جهاز استشاري يضم كفاءات من داخل البلاد وخارجها لإعداد وتوجيه الأنشطة الفنية والتوصيات بشأن الأمن الغذائي والمائي.
وفي فبراير 2023 اعتمدت اللجنة الخطوط العريضة لاستراتيجية تحقيق الأمن الغذائي والمائي والدوائي في دولة الكويت اشتملت على 21 ركيزة أساسية و65 مبادرة بواقع 8 ركائز و28 مبادرة للأمن وذلك للوصول إلى الهدف الاستراتيجي لتعزيز منظومة الأمن الغذائي.
وتظهر الحاجة الماسة في مثل هذه الظروف الدولية لتبني استراتيجية متكاملة للأمن الغذائي تتضمن أبعادا مثل تعزيز سلة الغذاء الوطني عبر التوسع بالاستثمارات الزراعية الإقليمية والدولية وامتلاك الأراضي الزراعية والثروة الحيوانية والسمكية في بلدان الأقاليم الخصبة.وفي هذا السياق ذكرت الأمانة العامة للمجلس الأعلى للتخطيط والتنمية على موقعها ان الكويت تراجعت 20 مركزا وفق مؤشر الأمن الغذائي الذي يصدر عن وحدة البحوث الاقتصادية التابعة لمجموعة «إيكونيميست» البريطانية في 2022 حيث جاءت في المركز 50 عالميا من ضمن 113 دولة فيما حلت السابعة عربيا والسادسة خليجيا.
وكانت الكويت احتلت المركز الثلاثين عالميا في 2021 و33 في عام 2020 على مؤشر الأمن الغذائي الذي يقيس أداء 113 دولة في توفير الاحتياجات الغذائية لسكانها عبر أربعة عوامل رئيسية هي القدرة على تحمل تكاليف الغذاء ومدى توافره ونوعية وجودة الغذاء والموارد الطبيعية والقدرة على التحمل.
ويعتمد مؤشر الأمن الغذائي في تقييمه على منح الدول الدرجة من 100 حيث يتم احتسابه من متوسط العوامل الأربعة الرئيسية والمكونة للمؤشر العام وذلك من خلال جمع ووزن نتائج المؤشرات الفردية الـ68 الموزعة على العوامل وقياس مدى قدرة كل دولة على توفير الاحتياجات الغذائية لسكانها على مقياس بدءا من صفر الأسوأ وصولا إلى الـ»100» الأفضل.
من جهته أكد المدير العام للهيئة العامة لشؤون الزراعة والثروة السمكية المهندس ناصر تقي في تصريح سابق لوكالة الأنباء الكويتية «كونا» عقب لقائه المدير العام للمركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة «اكساد» الدكتور نصرالدين العبيد في يناير الماضي استعداد الهيئة لتنفيذ كافة الخطط التنموية التي تخدم دولة الكويت بما يلبي أولوياتها وأهدافها ويحقق الأمن الغذائي وأهداف التنمية المستدامة.
وعند الحديث عن الأمن الغذائي في دولة الكويت فهناك دور كبير تقوم به شركات حكومية معنية بالأغذية مثل شركة نقل وتجارة المواشي وشركة مطاحن الدقيق والمخابز الكويتية واتحاد الجمعيات التعاونية.
فشركة «المواشي» تمتلك أكبر مزرعة مظللة في الكويت تغطي نحو أربعة ملايين متر مربع تتسع لمئتي ألف رأس من الماشية كما لديها مزرعة مظللة أخرى في دولة الإمارات بمساحة 285 ألف متر مربع تتسع لمئة ألف رأس من الماشية وذلك وفقا لتقرير نشرته «كونا» بمناسبة مرور 50 عاما على إنشاء الشركة.
كما لديها مزرعة في جنوب إفريقيا تبلغ سعتها 70 ألفا من الماشية وأخرى في أستراليا سعتها 100 ألف رأس من الأغنام بينما تسعى الحكومة الأسترالية لوقف تصدير الأغنام الحية عبر البحر وذلك حسب ما أعلن وزير الزراعة الأسترالي بشأن قرار وقف التصدير اعتبارا من الأول من مايو 2028 ما يتطلب البحث عن مصادر أخرى لتصدير الأغنام الحية.
وتعتمد «المواشي» على عدة أهداف منها توفير أجود أنواع اللحوم للأسواق المحلية والإقليمية بطرق مبتكرة وأسعار معقولة عبر سلسلة إمداد متكاملة ومستدامة تديرها الشركة بداية من الدول المصدرة حتى المستهلك.
أما شركة مطاحن الدقيق والمخابز الكويتية بدورها فقد أكدت على لسان رئيسها التنفيذي مطلق الزايد في تصريح سابق ل»كونا» انها تحمل على عاتقها مهمة تحقيق الأمن الغذائي في دولة الكويت معربة عن استعدادها لتلبية احتياجات المستهلكين وتوفير مخزون كاف من جميع المنتجات في الجمعيات التعاونية والأسواق المركزية ومواكبتها لأي مستجدات وفق خطة طوارئ معمول بها.
من جهته قال رئيس اتحاد الجمعيات التعاونية مصعب الملا ل»كونا» إن للاتحاد دورا محوريا في تحقيق الأمن الغذائي في دولة الكويت عن طريق الحفاظ على المخزون الاستراتيجي للمواد الغذائية لضمان ديمومة توفرها للمستهلك.
وكتفعيل للمشاركة الأهلية ودور جمعيات النفع العام في إيجاد حلول للتحديات التي تواجه الأمن الغذائي في الكويت ذكرت دراسة قدمتها الجمعية الكويتية للعلوم والتكنولوجيا والابتكار نشرتها على موقعها أن تلك التحديات تتلخص بمسألتين رئيستين هما «الاستدامة والزراعة والإنتاج الموجه» من جهة و»المحافظة على الجودة المطلوبة للأغذية مع تأمينها في الأسواق» من جهة أخرى.
وأضافت الدراسة أن هنالك نقصا في الموارد الطبيعية وزيادة الاستهلاك للطاقة والمياه وتزايد في استيراد الأسمدة والأعلاف ما يستدعي وجود إدارة قادرة على استغلال الطاقة دون هدر مع ضرورة إيجاد مصادر متجددة للطاقة في المزارع والحيازات بمختلف أنواعها.
ونقلت عن تقرير الأمم المتحدة لهدر الطعام إن الفرد في الكويت يهدر 95 كيلوجراما من الطعام في المتوسط سنويا في حين تهدر الأسر الكويتية نحو 397 طنا من الطعام سنويا.
وخلصت الدراسة إلى عدد من التوصيات من بينها إنشاء مجلس أعلى للأمن الغذائي لوضع استراتيجية طويلة الأمد والإشراف والتوفيق والرقابة على الجهات ذات الصلة بإنتاج وتوزيع الغذاء والمياه وتقنين الفاقد والهدر.
كما أوصت بتوفير السلع الغذائية الرئيسية ذات الجودة الملائمة من الإنتاج المحلي ووضع خطة لضمان توفرها تحت سيناريوهات واحتمالات انقطاع سلاسل الإمداد.
وشددت على ضرورة تحسين نظام إدارة المياه لدعم الاقتصاد الدائري من خلال توسيع نطاق استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة في الزراعة والتركيز على تصنيع الأسمدة العضوية والكيميائية في الكويت اللازمة لتحقيق الأمن الغذائي.