
كشفت أحدث البيانات الصادرة عن الإدارة المركزية للإحصاء عن انكماش الاقتصاد الكويتي بنسبة 8.9 % في عام 2020. وكانت تلك هي المرة الثانية على التوالي التي يشهد خلالها الاقتصاد الكويتي معدل نمو سلبيا بعد تراجعه بنسبة 0.6 % في عام 2019، كما يعتبر هذا الانكماش هو الأكثر حدة منذ الأزمة المالية العالمية التي عصفت بالاقتصاد في عام 2009. وكان هذا العام مليئاً بالعديد من التحديات بسبب تفشي جائحة فيروس كورونا، إذ تراجع أداء كل من القطاعين النفطي وغير النفطي بنحو 8.8 % في عام 2020 (الرسم البياني 1).
وأشارت مجموعة البيانات الفصلية إلى تسجيل نمو بنسبة -11.2 % على أساس سنوي في الربع الرابع من عام 2020، بتراجع هامشي عن المستويات المسجلة في الربع السابق والتي بلغت نسبتها -10.3 %، كما ان الأداء الاقتصادي ما يزال يتعرض لضغوط ناتجة عن ضعف إنتاج النفط على خلفية سياسة الأوبك وحلفائها "برجاء النظر أدناه". إلا ان معدل النمو على أساس ربع سنوي كان إيجابياً بنسبة 4.7 %، إذ واصل ارتفاعه للربع الثاني على التوالي، وذلك للمرة الأولى منذ عامين.
تراجع النشاط غير النفطي بشدة نتيجة لتداعيات الجائحة
وعلى صعيد الاقتصاد غير النفطي، أظهرت أحدث البيانات أشد معدل انكماش في سلسلة البيانات السنوية المعلنة، والتي كانت الأكثر حدة على مستوى القطاعات غير النفطية في دول مجلس التعاون الخليجي خلال العام الماضي. وفي واقع الأمر، عادت مستويات الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للقطاع غير النفطي إلى مستويات لم نشهدها منذ عام 2014.
وتضررت قطاعات الخدمات والصناعة والتجارة بصفة خاصة نظراً للقيود المفروضة على التنقل في إطار محاولات احتواء الجائحة. وضمن أكبر القطاعات الفرعية غير النفطية، تراجعت قطاعات الخدمات "بما في ذلك قطاع العقار" بنسبة 7.6 % على أساس سنوي، وتراجعت الصناعة بنسبة 32.6 %، كما تراجعت أنشطة تجارة الجملة والتجزئة "الجملة والتجزئة" بنسبة 12.1 % وانكمش قطاع الاتصالات بنسبة 6.8 %. إلا ان قطاع البناء والتشديد كان الأسوأ أداءً في عام 2020، إذ تراجع بنسبة 43.2 % في ظل تأجيل العديد من المشاريع نتيجة للتأجيلات المنطقية في ظل الظروف الاستثنائية "الرسم البياني 2". ولولا المساهمة الإيجابية لأكبر قطاع فرعي غير نفطي، وهو الإدارة العامة والدفاع، والذي شهد نمواً بنسبة 1.4 % على أساس سنوي في عام 2020، لكان الانكماش الاقتصادي في عام 2020 أكثر وضوحاً.
وتضمنت القطاعات الفرعية الأخرى التي سجلت نمواً حقيقياً في عام 2020 التعليم والصحة والعمل الاجتماعي والخدمات الشخصية والمنزلية، والتي سجلت أسرع معدل نمو "+ 7.1 % على أساس سنوي" منذ عام 2012. وجاء هذا الأداء على الرغم من ضعف بيانات القوى العاملة الرسمية والتي أظهرت انخفاض العمالة المنزلية بنسبة 1.5 % في العام الماضي بما يتسق مع تراجع أعداد الوافدين بصفة عامة على خلفية الجائحة.
انخفاض الناتج المحلي الإجمالي النفطي نتيجة لتراجع الطلب على النفط وسياسات الأوبك انخفض الناتج المحلي الإجمالي للقطاع النفطي للعام الثاني على التوالي في عام 2020. ونظراً لتضرر الطلب على النفط بسبب الجائحة وانخفاض الأسعار إلى أدنى مستوياتها المسجلة منذ عدة عقود في أبريل الماضي، إلى جانب تطبيق الكويت اتفاقية الأوبك لخفض الإنتاج في أبريل الماضي لتقليص العرض وإعادة توازن السوق بالتنسيق مع شركائها من الدول غير التابعة للمجموعة بقيادة روسيا. وبلغ المستوى المستهدف لخفض الإنتاج الكويتي 0.56 مليون برميل يومياً في المتوسط خلال العام 2020، مما يعنى خفض الإنتاج بنسبة 20 % مقارنة بالمستوى المرجعي البالغ 2.809 مليون برميل يومياً. وبلغ معدل امتثال الكويت 101 % في عام 2020، حيث وصل متوسط إنتاج النفط الخام إلى 2.44 مليون برميل يومياً للعام بأكمله. وينعكس هذا الانخفاض في هيئة انكماش الناتج المحلي الإجمالي النفطي الحقيقي بنسبة 8.9 % على أساس سنوي (الرسم البياني 3).
تحسن آفاق النمو الاقتصادي بفضل ارتفاع الإنفاق الاستهلاكي
تحسنت آفاق النمو الاقتصادي خلال الأشهر الأخيرة في ظل تسارع وتيرة برامج اللقاحات وتخفيف تدابير حظر التجول الجزئي. وبدأت الشركات تشهد تزايد في الطلب من قبل المستهلكين (والذي أدى أيضاً إلى نمو معدلات التضخم). ووفقاً لأحدث البيانات الخاصة بالإنفاق الاستهلاكي الصادرة عن شركة كي-نت، ارتفع إجمالي الإنفاق في مايو بنسبة 137 % ليسجل مستوى قياسي بلغ 2.25 مليار دينار كويتي، مدعوماً بتأثيرات التراجع في فترة المقارنة على أساس سنوي وكذلك العوامل الأساسية بما في ذلك تأجيل سداد أقساط القروض وتراجع معدلات السفر إلى الخارج. بالإضافة إلى ذلك، يبدو أن التراجع الذي أصاب تنفيذ أنشطة المشاريع التنموية في عام 2020 قد خفت حدته، بل وقد تتسارع وتيرة الاسناد في ظل وجود العديد من المشاريع التي تتطلب اتخاذ خطوات لتنفيذها. وسوف يساهم الإنفاق الحكومي أيضاً في تعزيز الانتعاش الاقتصادي، نظراً لأنه يعتبر من أهم ركائز الاقتصاد. ووفقاً لمسودة ميزانية الحكومة، يتوقع ارتفاع الانفاق بنسبة 7 % تقريباً في السنة المالية 2021/2022 (وارتفاع النفقات الرأسمالية بنسبة +20 %)، كما ان تخطي أسعار النفط مستوى 70 دولاراً للبرميل، من شأنه أن يخفف بعض من الضغوط التي تتعرض لها الموازنة وتقلل مستوى العجز، مما يعزز من أنشطة الأعمال وتزايد مستويات ثقة المستهلك. وبناء على ذلك، قد يرتفع الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي بنسبة 4 % على الأقل هذا العام، والذي قد تتم مراجعته في حال استمرار الجائحة وانخفاض الاستهلاك وتبني الحكومة لسياسات مالية تقشفية. في حين يتوقع أن يتراجع الناتج المحلي الإجمالي النفطي بنحو 1.0 %. وسوف يؤدي ذلك إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 1.2 % هذا العام.