
أكد محافظ البنك المركزي الكويتي د.محمد الهاشل أن هناك حالة ضبابية تكتنف التوقعات الاقتصادية المحلية في الوقت الحالي، حيث مازلنا في خضم الجائحة، وقد أدت الموجة الأخيرة من انتشار الفيروس في الكويت منذ بداية مارس إلى إعادة فرض الحظر الجزئي. ورغم أن التفاؤل الناتج عن توفر اللقاحات وبدء حملة التطعيم قد حسن من المزاج العام ورفع التوقعات بشأن الأوضاع الاقتصادية، إلا أن عودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل الجائحة أوحتى لما يعرف بالوضع "الطبيعي الجديد" سوف يستغرق وقتاً.
وأوضح الهاشل خلال مقابلة مع مجلة ذا بانكر العالمية أنه على رغم النتائج المترتبة على الإغلاق الجزئي والكلي للبلاد وهبوط أسعار النفط إلى جانب خفض الإنتاج، وتراجع الناتج المحلي الإجمالي في القطاع النفطي وغير النفطي وبصفة خاصة في النصف الأول من عام 2020، إلا أننا نتوقع عودة تلك الأنشطة للنمو الإيجابي هذا العام. ومما يدعو للتفاؤل أن التدخلات المبكرة للسياسة النقدية والتحوطية منذ بداية الجائحة قد حالت دون تضرر الطاقة الإنتاجية للدولة على نحو حاد، وفي ذلك مبعث للأمل في التعافي السريع بعد السيطرة على الجائحة.
وحتى قطاعات الأعمال التي تعتمد على الاتصال المباشر مع عملائها، بدأت في التكيف مع الظروف التشغيلية المتغيرة قدر الإمكان، ويمكن لنا أن نأخذ الارتفاع الملحوظ في مبيعات المطاعم عبر الإنترنت كمثال على ذلك. كما أن الارتفاع الأخير في أسعار النفط، وهو أعلى مستوى له خلال سنة واحدة، يبشر بنمو الناتج المحلي الإجمالي النفطي وغير النفطي في الكويت.
وأضاف الهاشل أنه قد تم بالفعل تطبيق العديد من الإجراءات الداعمة لترسيخ متانة القطاع المصرفي وسلامته، بحيث يظل قادراً على تزويد قطاعات الاقتصاد الوطني بمختلف الخدمات والمنتجات المالية بكفاءة عالية دون انقطاع في هذه الظروف الضاغطة.
وعلى صعيد السياسة النقدية، بادر بنك الكويت المركزي إلى خفض سعر الفائدة بمعدل تراكمي 1.25 نقطة مئوية خلال مارس 2020، لينخفض بذلك من 2.75 % إلى 1.5 % وهو المستوى الأدنى تاريخيًا، ما أدى إلى تيسير شروط التمويل وأعباء خدمة الدين بشكل ملحوظ على كل فئات المقترضين.
وفي الوقت نفسه، قمنا بتخفيف بعض التعليمات الرقابية وأدوات سياسة التحوط الكلي، لمواجهة أي معوقات في السيولة ومساعدة البنوك في هذه الظروف على أداء دورها الحيوي كوسيط مالي. فعلى سبيل المثال، تم خفض معيار تغطية السيولة ونسبة صافي التمويل المستقر من 100 % إلى 80 % ورفع حد الإقراض من 90 % إلى 100 %، والإفراج عن المصدات الرأسمالية التحوطية البالغة 2.5 % وخفض وزن المخاطر الخاص بالانكشافات على المشروعات الصغيرة والمتوسطة ليصبح 25 % بدلاً من 75 %.
فضلاً عن ذلك، سُمح للعملاء المتضررين من تداعيات كوفيد-19 بتأجيل الاستحقاقات المترتبة عليهم لمدة ستة أشهر دون تطبيق أي رسوم جزائية. وقد ساعد هذا الإجراء الشركات والأفراد على تجاوز المرحلة الأسوأ من التراجع الاقتصادي نتيجة الجائحة.
ونظراً لهذه التدابير، فإنني لا أتوقع تحولًا كبيرًا في السياسة خلال هذا العام، حيث نهدف للاستمرار في تقديم كل الدعم المطلوب وإبداء المرونة الكافية عن طريق تهيئة الظروف اللازمة والملائمة لمسار الأزمة وبحسب ما تقتضي الأحوال الاقتصادية.
ومع حالة الضبابية التي تشوب التوقعات، فمن نافلة القول التأكيد على ضرورة المراقبة اليقظة للتطورات وسرعة الاستجابة لمواجهة أي تداعيات محتملة.
وأشار الهاشل إلى أن معدل نمو الائتمان المحلي شهد في عام 2020 مستوى صحيًا مسجلاً 3.5 % مقارنة بالعام السابق. وواقع الأمر أن هناك بعض القطاعات سجلت نمواً مضاعفاً في الائتمان ومنها القروض الاستهلاكية (11.2 %) والخدمات العامة (11.4 %) والزراعة والصيد (15.2 %)، وإن كان القطاعين الأخيرين انطلقا من مستوى منخفض للغاية. ومن بين القطاعات الأخرى التي سجلت نمواً ملحوظاً قطاعات النفط الخام والغاز (8.4 %) والقروض المقسطة (6.3 %) والقروض العقارية (3.5 %)، حيث يتمتع القطاعان الأخيران بالحصة الأكبر في الائتمان المصرفي عموماً. ووفقاً لهذه الأرقام، فإن معدل نمو الائتمان لم يكن جيداً فحسب، وإنما كان واسع النطاق أيضاً.
ومن ثم أتوقع استمرار نمو الائتمان بنفس المستوى الجيد في عام 2021 نظراً لعودة الأعمال إلى نشاطها والارتفاع المتوقع في الإنفاق الرأسمالي مما سيؤدي إلى زيادة الطلب على الائتمان. ونتوقع أيضاً أن يواصل الائتمان المقدم للأفراد -وخاصة للمواطنين- نموه، بفضل الأمن الوظيفي ومعدلات الفائدة المنخفضة حالياً.
وأضاف أنه رغم الصدمة المركبة بجوانبها الصحية والنفطية والاقتصادية، وما استتبعته من تراجع اقتصادي حاد، إلا أن جودة أصول البنوك على مستوى مجمع قد شهدت تراجعًا طفيفًا في عام 2020 بزيادة نسبة التعثر بمقدار 50 نقطة أساس لتصل إلى 2 %. وقد ساعد تأجيل أقساط القروض وتدابير السياسة النقدية الداعمة على إبقاء معدلات التعثر عند مستويات منخفضة. ومن الجدير بالذكر أن البنوك الكويتية قد دخلت هذه الأزمة من مركز قوة حيث بلغ معدل تغطية القروض غير المنتظمة 271 % ومعدل صافي القروض غير المنتظمة 1.5 % بنهاية عام 2019 وهو أدنى مستوى له خلال عقد من الزمن.
وليس من المستبعد أن ترتفع نسبة القروض غير المنتظمة خلال الشهور القادمة، لكن إن حدث ذلك فسوف يكون بوتيرة بطيئة ومن مستويات متدنية تاريخياً. وفي نهاية الأمر، فإن تطور الجائحة وطول الأزمة وعمقها سيحددان درجة التعثر في السداد ووتيرته. ويمكنني أن أشير إلى أن بنوكنا في وضع مريح يمكنها من مواجهة هذه الأزمة، حيث يوفر معدل تغطية القروض غير المنتظمة الحالي البالغ 222 % المصدات اللازمة لمواجهة أي صدمات محتملة.
وإلى جانب توقعاتنا حول الائتمان والقروض غير المنتظمة، تكشف مؤشرات السلامة المالية الأخرى عن صورة مطمئنة لأوضاع القطاع المصرفي في الوقت الحالي. على سبيل المثال، حافظت البنوك على مستويات وفيرة من السيولة خلال الأزمة، ووصل معدل تغطية السيولة ومعدل صافي التمويل المستقر إلى 184.2 % و114.3 % على الترتيب بنهاية عام 2020 مقارنة بالنسبة المقارنة المطلوبة عند مستوى 100 % كما بلغت نسبة السيولة الرقابية ما نسبته 27.5 % مقابل المستوى المطلوب (18 %)، وزاد في نفس الوقت معدل كفاية رأس المال للبنوك خلال العام ليصل إلى 19 % وهو أعلى من النسبة المقررة بموجب تعليمات بنك الكويت المركزي البالغة 13 % أو متطلبات لجنة بازل والبالغة 10.5 %. وتؤكد هذه المؤشرات أن القطاع المصرفي لديه القدرة الكافية للاستمرار في إقراض الشركات والأفراد على مدى الأشهر القادمة.
ومن الطبيعي في ظل التحديات الحالية والبيئة الاقتصادية المتغيرة أن تتعرض الربحية للضغوط خلال العام المنصرم، بسبب التأثير الكبير لتأجيل استحقاقات القروض وارتفاع مصروف المخصصات وانخفاض أسعار الفائدة. ومع ذلك، وبمجرد تخفيف القيود وعودة النشاط الاقتصادي للنمو، سوف تخف الضغوط على الأرباح التشغيلية لاسيما بعد ارتفاع الائتمان، الذي سيعود جزئياً إلى الإنفاق الرأسمالي من جانب الحكومة. من جهة أخرى، فإن انخفاض أسعار الفائدة مع تراجع إيرادات الفوائد يساعد على إبقاء تكاليف خدمة الدين في مستويات منخفضة، وهو ما يساعد أيضاً على الانتظام واحتواء مخاطر الائتمان والسيطرة على مخصصات خسائر القروض.
ورغم الشك الذي يغلب على التوقعات، ما يزال لدى القطاع المصرفي الكويتي القوة والمتانة اللتان تجعله في مركز يمكنه من الاستفادة من الفرص الاقتصادية التي سوف تظهر بعد تعافي النشاط الاقتصادي، وليس أدل على سلامة واستقرار القطاع المصرفي الكويتي من نتائج اختبارات الضغط التي أجريت مؤخراً.
وأكد أنه منذ اندلاع جائحة كوفيد-19، شهدت تطبيقات واستخدامات المدفوعات الرقمية طفرة غير مسبوقة، وهو ما يدل عليه النمو في قيمة وعدد المعاملات من خلال بوابة المدفوعات الإلكترونية، مقارنة بالمعاملات التي تمت من خلال أجهزة الصرف الآلي ونقاط البيع.
على سبيل المثال، قفزت معاملات الدفع من خلال بوابة المدفوعات الإلكترونية في عام 2020 مقارنة بالعام السابق، سواء من حيث قيمة تلك المعاملات التي ارتفعت بنحو 121 % أومن حيث عددها الذي ارتفع بنحو 90 %. نتيجة لذلك، فإن المعاملات من خلال بوابة المدفوعات الإلكترونية تمثل حوالي 20 % من المدفوعات الإجمالية التي تشمل العمليات من خلال بوابة المدفوعات الإلكترونية وأجهزة الصرف الآلي وأجهزة نقاط البيع وذلك من حيث القيمة الإجمالية للمعاملات وكذلك من حيث عددها. وخلال نفس الفترة، تراجع النمو إلى حد بعيد في عدد وقيمة وحصة المعاملات من خلال أجهزة الصرف الآلي ، ويرجع ذلك جزئياً إلى محاولة الجمهور الحد من مخاطر العدوى المحتملة جراء التعامل بالأوراق النقدية.
وبحكم تصميمها، استفادت المدفوعات الإلكترونية من خلال بوابة المدفوعات الإلكترونية من القيود على الحركة والتنقل. فإذا كانت أجهزة الصرف الآلي وأجهزة نقاط البيع قد تأثرت بشكل كبيرة بتعليمات الإقفال والحظر، فقد حققت بوابة المدفوعات الإلكترونية نمواً قوياً نتيجة الإقبال المتزايد من الجمهور على التسوق الإلكتروني.
وأوضح الهاشل أنه وفقاً لقرار مجلس إدارة بنك الكويت المركزي بتاريخ 5 مايو 2020، طُلب من بيت التمويل الكويتي إجراء دراسة شاملة لجدوى الاستحواذ بعد عودة الأمور إلى سابق عهدها قبل انتشار جائحة كوفيد-19 وما أعقبها من تداعيات. ونظراً لاستمرار الجائحة، فإن الحديث عن البدء في أي تقييم لهذه الصفقة سابق لأوانه.
كما أطلق بنك الكويت المركزي، بالتعاون مع اتحاد مصارف الكويت ومشاركة البنوك الكويتية، حملة "لنكن على دراية" في أواخر شهر يناير من العام الماضي.
وتهدف هذه الحملة إلى نشر الثقافة المالية في المجتمع، وزيادة الوعي لدى الجمهور بدور القطاع المصرفي وكيفية الاستفادة من الخدمات المتنوعة التي تقدمها البنوك على الوجه الأمثل. وفي هذا السياق، تعتبر الحملة وسيلة مناسبة لتوعية عملاء البنوك بحقوقهم التي يحرص بنك الكويت المركزي على حمايتها عبر تعليماته الرقابية للجهاز المصرفي، ومن بينها حقوق العملاء لدى التعاقد للحصول على التمويل من البنوك سواء التقليدية أو الإسلامية، وكذلك حقوق العملاء من ذوي الاحتياجات الخاصة، حيث وجهت تعليمات بنك الكويت المركزي كلا من البنوك نحو تخصيص فرع على الأقل في كل محافظة لخدمة ذوي الاحتياجات الخاصة يقدم لهم الخدمات والتسهيلات والوسائل التي تراعي أوضاعهم وتسهل لهم الحصول على جميع الخدمات المصرفية.
وتتنوع المواضيع التي تشملها الحملة ومن بينها التعريف بدور البنوك كوسيط مالي، وأهمية الادخار والاستثمار وكيفية الاستفادة من المنتجات التي تقدمها البنوك في هذا المجال، إلى جانب التوعية بحقوق العميل عند الحصول على التمويل الشخصي سواء الاستهلاكي أو الإسكاني، وكذلك الخدمات المقدمة لذوي الاحتياجات الخاصة، وآلية تقديم الشكاوى بشأن الخدمات المصرفية، بالإضافة إلى البطاقات المصرفية المتنوعة، وأهم الخطوات الواجب اتباعها لتجنب التعرض لعمليات الاحتيال، والتوعية بمخاطر ما يعرف بـ "تكييش القروض" والاستثمارات عالية المخاطر وغيرها من المواضيع الهامة.
وإلى جانب تنوع المواضيع التي تشملها الحملة، تتنوع كذلك الوسائل والقنوات المستخدمة، حيث تشتمل الحملة على فيديوهات توعوية وتصريحات صحفية ومواد تعريفية، وذلك عبر عديد من قنوات التواصل وخصوصًا القنوات الرقمية، وحسابات بنك الكويت المركزي والبنوك الكويتية واتحاد مصارف الكويت على منصات التواصل الاجتماعي، وفروع البنوك وغيرها من نقاط التواصل مع الجمهور بما يضمن أوسع انتشار لرسالة الحملة، وتفاعل الجمهور معها.