
أصدرت وكالة موديز لخدمات المستثمرين (Moody>s Investors Service) بيانًا صحفيًا خفّضت فيه التصنيف الائتماني السيادي لدولة الكويت بواقع درجتين من «Aa2» إلى «A1» مع تغيير النظرة المستقبلية إلى مستقرة. ويعكس هذا القرار زيادة مخاطر السيولة الحكومية وتقييمًا أضعف للقوة المؤسساتية ومعايير الحوكمة. وأشارت الوكالة إلى تصاعد مخاطر السيولة، على الرغم من القوة المالية الاستثنائية للدولة، مدفوعًا بمجموعة من العوامل ترتبط باستمرار غياب قانون جديد للدين العام وعدم السماح للحكومة بالسحب من صندوق احتياطي الأجيال القادمة، واقتراب الموارد السائلة المتاحة في صندوق الاحتياطي العام من النفاد. فعلى الرغم من أن العلاقة المتوترة بين مجلس الأمة والسلطة التنفيذية التي تشكل قيدًا طويل الأمد على تقييم القوة المؤسساتية، فإن الجمود بشأن استراتيجية التمويل المتوسطة الأجل للحكومة وعدم وجود أي تدابير فعالة لضبط المالية العامة يشيران إلى أوجه قصور أكثر أهمية في المؤسسات التشريعية والتنفيذية في دولة الكويت وفعالية السياسات.
وعلى الرغم من أن مخاطر السيولة لها أهمية خاصة في الأجل القريب، إلاّ أن مخاطر رفع التصنيف الائتماني للدولة أو تخفيضه متوازنة بشكلٍ عام على المدى المتوسط وتعكسها النظرة المستقرة للتصنيف. وأشارت الوكالة إلى أن الكويت تمتلك مخزونًا ضخمًا من الأصول السيادية التي يتم إدارتها بمنأى عن الموازنة العامة بموجب القانون، فإذا سُمح باستخدامها لتمويل العجوزات فإن ذلك سيُقلّص من مخاطر السيولة الحكومية. وعلى النقيض من ذلك، ترى الوكالة أن هناك خطرًا مستمرًا يتمثّل بعدم اتفاق السلطتين التنفيذية والتشريعية على تدابير تمويل عجوزات الموازنة وعدم قدرتهما على وضع رؤية دائمة لتمويل الموازنة. كما تتوقع الوكالة ظهور مخاطر السيولة الحكومية إذا أدى استمرار الجمود بشأن حل أزمة التمويل إلى استنفاد الموارد السائلة المتاحة قبل تواريخ استحقاق السندات الدولية، بما في ذلك الشريحة البالغة 3.5 مليار دولار أمريكي التي ستستحق في مارس 2022.
أولاً - مبررات التخفيض:
ارتفاع مخاطر السيولة الحكومية في غياب الإذن القانوني لإصدار الدين أو النفاذ إلى موارد صندوق احتياطي الأجيال القادمة.
أشارت الوكالة إلى زيادة مخاطر السيولة الحكومية مع عدم إقرار قانون الدين العام، فمن المرجح أن تستنفد أصول صندوق الاحتياطي العام قبل نهاية السنة المالية الحالية 20/2021. وأشارت إلى التشريعات التي أقرها مجلس الأمة مؤخرًا والتي تتعلّق بعدم تحويل مخصصات صندوق الأجيال القادمة في السنوات التي تشهد عجزًا ماليًا، واسترجاع المخصصات المحوّلة للصندوق في السنة المالية السابقة 18/2019، وهو ما أسهم بتأجيل نضوب الموارد المالية حتى شهر ديسمبر 2020.
وحتى لو تم تمرير قانون الدين العام -سواء من قِبل مجلس الأمة أو بمرسوم أميري أثناء عطلة المجلس- فمن المرجح ألا يوفر ذلك استراتيجية تمويل ذات مصداقية على المدى المتوسط، وهو المحرّك الرئيسي لقيام الوكالة بمراجعة التصنيف في مارس 2020. ويتضمن مشروع قانون الدين العام، الذي رفضته اللجنة المالية والاقتصادية في مجلس الأمة، سقفاً للاقتراض قدره 20 مليار دينار، والذي سيتم استنفاده في أقل من عامين في ظل سيناريو خط الأساس للوكالة. هذا، وقد يحظى تقليل سقف الاقتراض بموافقة مجلس الأمة إلا أنه سيستنفد في وقت أقل نظراً للحجم الكبير لمتطلبات التمويل الفوري والمتوسط الأجل للحكومة. وحتى لو حصلت الحكومة على إذن قانوني بإصدار الدين دون قيود على الحد الأقصى، تتوقع الوكالة أن يبلغ صافي حجم الإصدارات السيادية نحو 27.6 مليار دينار (أي حوالي 90 مليار دولار) لتلبية متطلبات التمويل الحكومية للفترة الممتدة بين السنة المالية الحالية والسنة المالية المنتهية في مارس 2024، مما يختبر قدرة الحكومة على الحصول على مثل هذا التمويل الكبير.
الاستجابة المحدودة لانخفاض أسعار النفط الهيكلية، تظهر وجود قيود شديدة في قدرة السياسات المالية على الاستجابة للصدمات.
ذكرت الوكالة أن عجز الحكومة المستمر في الاستجابة للصدمات الحادة في أسعار النفط في جانب الإيرادات يُشير إلى أن فعالية السياسة المالية أضعف مما كان مفترضًا من قبل. وعلى النقيض من التصريحات السابقة الصادرة عن الحكومة، حول سعيها لخفض نفقاتها على أساس سنوي، فإن إقرار ميزانية السنة المالية 20/2021 يتضمن زيادة بنسبة 1.6% في الإنفاق العام، على الرغم من انخفاض الإيرادات بنسبة 56% في الميزانية. كما حققت دولة الكويت تقدماً محدوداً في إصلاح الدعومات، التي تمثل 22% من الإنفاق الحكومي. وعلى وجه الخصوص، فإن الدعم بخلاف دعم الطاقة، والذي يشمل مجموعة واسعة من الدعومات التي تغطي خدمات مثل الرعاية الصحية والتعليم في الخارج، ظلت أيضًا دون أن تمس إلى حد كبير بسبب معارضة مجلس الأمة. ونتيجة لذلك، ارتفع إجمالي الإنفاق الحكومي على الدعم من 3.1 مليار دينار كويتي (9% من الناتج المحلي الإجمالي) في 15/2016 إلى 4.7 مليار دينار (11% من الناتج المحلي الإجمالي) في 19/2020.
ولا تزال إيرادات دولة الكويت تعتمد بشكل كبير على إيرادات النفط والغاز، والتي بلغ متوسطها ما نسبته 89% من الإيرادات الحكومية بين عامي 2017 و2019. وكان التقدم في تنويع قاعدة الإيرادات غير النفطية بطيئًا جدًا، ويرجع ذلك جزئيًا إلى مقاومة مجلس الأمة لأي تدابير من شأنها أن تخفض مستويات المعيشة. وترى الوكالة أن فرض ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5% كجزء من الاستجابة لصدمة أسعار النفط بعد عام 2014 على مستوى دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ويُعتبر أكبر مورد للإيرادات التي تسعى له الحكومة. ومع ذلك، لم يصادق مجلس الأمة بعد على اتفاقية ضريبة القيمة المضافة، وتتوقع الوكالة أن يتم تطبيق ضريبة القيمة المضافة بين عامي 2022 و2023 على أقرب تقدير، على عكس المؤشرات السابقة من الحكومة بأنها ستكون قائمة بحلول عام 2021. كما تم تأجيل فرض ضريبة على المشروبات السكرية والتبغ كان من المقرر تنفيذها هذا العام. ونظراً لعدم وجود أي إصلاحات ذات مغزى خلال السنوات 2014-2016، وإلى انخفاض أسعار النفط في الآونة الأخيرة، تتوقع الوكالة أن يصل عجز الموازنة الحكومية إلى نحو 13.7 مليار دينار (38% من الناتج المحلي الإجمالي) في السنة المالية 20/2021، في حين تتوقع انخفاض العجز المالي في السنة المالية 21/2022 إلى نحو 10.6 مليار دولار (25.7% من الناتج المحلي الإجمالي).
وعلاوة على ذلك، تتوقع الوكالة بأن يكون ضبط المالية العامة أمرًا صعبًا بسبب هيكل الإنفاق الحكومي غير المرن. وقد زادت النفقات الحالية بشكل تراكمي بنسبة تزيد عن 20% منذ نهاية السنة المالية المنتهية في مارس 2016، والتي كانت مدفوعة في الغالب بزيادة الإنفاق على المرتبات وتعويضات العاملين في القطاع الحكومي. ومن المرجح أن يستمر النمو المتوقع في القوى العاملة الكويتية بسبب التركيبة السكانية الشابة في البلاد، ووضع الحكومة كصاحب عمل في الملاذ الأول.
ثانيًا – مبررات النظرة المستقبلية للتصنيف:
تعكس التوقعات المستقرة توازناً بين مخاطر الرفع والخفض للتصنيف على المدى المتوسط. وعلى جانب الخفض، فإن احتمال أن تستمر السلطة التنفيذية والتشريعية في تقديم تدابير قصيرة الأجل يعني استمرار عدم اليقين بشأن حالة التمويل المتوسط الأجل. وفي حين لا تتوقع الوكالة ذلك، فإن مخاطر السيولة الحكومية ستظهر في حال أدى استمرار الجمود بشأن التمويل إلى استنفاد الموارد السائلة المتاحة قبل تواريخ استحقاق السندات الدولية، بما في ذلك الشريحة البالغة 3.5 مليار دولار أمريكي التي ستستحق في مارس 2022. وعلى الجانب الإيجابي، تمتلك الكويت مخزوناً كبيراً من الأصول السيادية في صندوق احتياطي الأجيال القادمة الذي يقدر بنحو 359% من الناتج المحلي الإجمالي حتى نهاية العام المالي 19/2020. أما الأصول وإيرادات الاستثمار التي يدرها ذلك الصندوق، فيتم حاليًا إدارتها بمنأى عن الميزانية العامة بموجب القانون، مما يشير إلى أن العقبات التي تواجهها دولة الكويت في حل تحديات التمويل هي عقبات سياسية في المقام الأول، وليست خارج سيطرة الدولة.
ثالثًا – العوامل المؤثرة على التصنيف الائتماني السيادي لدولة الكويت
أشارت الوكالة إلى أن هناك عدة عوامل قد تدفع باتجاه رفع التصنيف، وتتمثّل تلك العوامل بوجود أدلة على التحسن المستدام في القوة المؤسساتية ومعايير الحوكمة في دولة الكويت وذلك من خلال الاتفاق بين الحكومة ومجلس الأمة، مما يؤدي إلى تشكيل سياسة أكثر سلاسة ويمكن التنبؤ بها، فضلاً عن تحسين فعالية السياسة المالية من خلال تحسين القدرة على الاستجابة للصدمات وتنفيذ الإصلاحات المالية التي تقلل بشكلٍ جوهري من متطلبات التمويل للموازنة العامة.
كما أشارت الوكالة إلى أن هناك عوامل قد تضغط باتجاه تخفيض التصنيف الحالي بأكثر من درجة واحدة، وتتمثّل تلك العوامل بزيادة مخاطر السيولة الحكومية، لا سيما مع اقتراب موعد استحقاق السندات الدولية، واقتراب الموارد السائلة لصندوق الاحتياطي العام من النفاد، وفي حال عدم قدرة الحكومة على دفع قيمة السندات الدولية التي ستستحق في السنوات القادمة. وستعمل الوكالة أيضًا على خفض التصنيف إذا استمرت القوة المالية للحكومة في الضعف على المدى المتوسط بسبب الزيادة الحادة في الدين الحكومي الناتج عن عدم القدرة على تنفيذ إجراءات ضبط أوضاع المالية العامة وسط انخفاض هيكلي لأسعار النفط.