
عقد المركز المالي الكويتي «المركز» ندوة إلكترونية بعنوان «قطاع التعليم في الكويت بعد جائحة كوفيد-19 والاستثمار فيه» لمناقشة التحديات التي تواجه قطاع التعليم بعد أزمة فيروس كوفيد-19 حول العالم، وتأثير إغلاق المؤسسات التعليمية، وتزايد الإقبال على التعليم عن بعد وفرص الاستثمار فيه، وذلك يوم الإثنين الموافق 22 يونيو 2020. وأدار الجلسة النقاشية في الندوة مناف عبدالعزيز الهاجري الرئيس التنفيذي «للمركز»، وشارك فيها علي حسن خليل رئيس العمليات في «المركز»، وأريج علي الغانم المدير العام لمدرسة البكالوريا الأمريكية (ABS)، وبدر ورد المؤسس والرئيس التنفيذي لتطبيق (Lamsa)، ويوسف الحسيني المؤسس والرئيس التنفيذي لموقع وتطبيق (Baims). واستضافت الندوة أيضاً الدكتورة فاطمة الهاشم عضو هيئة تدريس في جامعة الخليج، والأستاذ فيصل البريدي من مبادرة (جرب) أونلاين للتعليم عن بعد. وبدأ الشيخ حمود صلاح الصباح، نائب الرئيس المساعد للعلاقات التجارية الحكومية في «المركز» الندوة بعرض تقديمي عن قطاع التعليم عالميا وإقليميا ومحليا من جوانبه المختلفة بعد جائحة فيروس كوفيد-19.
وأشار العرض التقديمي إلى أن حجم الإنفاق على التعليم في العالم في عام 2015 بلغ 5.2 تريليون دولار، ومن المتوقع نمو الإنفاق على التعليم بنسبة 4% سنويا عالمياً. وبالمقارنة مع دول مجلس التعاون الخليجي، نجد أن نسبة الإنفاق تفوق النسبة العالمية وتتراوح ما بين 5-6% سنوياً. وحددت منظمة التعاون الإقتصادي والتنمية ومنظمات دولية اخرى إطار عام لمهارات القرن الواحد وعشرين، ويرتكز الإطار على 11 محور، من أهمها تعزيز التفكير الناقد وحل المشكلات، والثقافة المعلوماتية، والإبتكار والإبداع، والاتصال والتشارك. وتنفق دولة الكويت 15,000 دولار على الطالب، إلا أن جودة التعليم متدنية، حيث حصلت الكويت على المرتبة 47 من 50 في اختبارات لقدرات ال TIMSS في عام 2015، في حين تنفق دول أخرى مثل كوريا نصف ما تنفقه الكويت على الطالب وترتيبها الثالث في اختبار القدرات. ومع أزمة جائحة كوفيد-19، تم إغلاق المدارس في أكثر من 124 دولة، أي أن حوالي مليار ومائة طالب تأثروا بعد الجائحة. وكانت الصين أول الدول التي ظهر فيها الوباء وأغلقت المدارس، ولكن في نفس الوقت جعلت التعليم عن بعد إلزامي. أما في المملكة المتحدة، تم إيقاف التعليم وإلغاء اختبارات 2020. وسرع فيروس كوفيد-19 من الاعتماد على التكنولوجيا. وتشمل تكنولوجيا التعليم مفاهيم كثيرة، أولها منصات التعليم عن بعد مثل Coursera وADEX وKhan Academy، وثانيها نظام إدارة التعليم وهو نظام للمعلم لأخذ الحضور والغياب ولتجميع وترتيب المواد التعليمية وتصحيح الاختبارات، وثالثها الأدوات الرقمية منها رقمنة المحتويات. ومن عام 2014 إلى 2019، كان هناك 16 عملية استحواذ واندماج في قطاع التعليم في الكويت قيمة 1.2 مليار دولار او 160 مليون دينار كويتي، 12 منهم تم إتمامهم في أخر عامين، الأمر الذي يشير إلى أهمية هذا القطاع للمستثمرين.
وأشار الهاجري في بداية الجلسة النقاشية أن جائحة كورونا ساهمت في إبراز دور التعليم الإلكتروني بشكل كبير، من حيث إمكانية تواصل الطلبة والمعلمين عن بعد عبر برامج التواصل، مما ساهم في تقديم العديد من الفرص الاستثمارية حول العالم وفي المنطقة. وطرح الهاجري مجموعة من التساؤلات على المشاركين في الجلسة النقاشية حول التغيرات التي شهدها قطاع التعليم عقب جائحة فيروس كوفيد-19، ومدى سلاسة تطبيق التعليم عن بعد خلال الأزمة، ومدى ملاءمة معدلات الإنفاق على الطالب مع مخرجات التعليم وجودته، ودور القطاع الخاص كقوة تنموية في دعم قطاع التعليم، والحلول المطروحة ضمن النظام البيئي الحالي. وذكر أن قطاع التعليم قطاع مهم له تحدياته القديمة المزمنة، وله تحدياته الجديدة مثل رفع الكفاءة والتعليم عن بعد. كما أنه بوابة مهمة لبوابات العدالة الاجتماعية بين الشباب يملك الكل فيها نفس الحق بالحصول على أفضل فرصة بالتعليم. ويجب ألا يكون لدينا أي حرج أن نسد الثغرات بأسرع وقت ممكن من خلال رفع الممارسات في القطاعات الأخرى لترقى لهذا المستوى. وأوضح الهاجري أن الاستثمار الجريء يجب ألا يقتصر على المبادر فقط، بل يجب أن يمتد إلى كافة عناصر المنظومة، بما فيها الجهات الحكومية الرقابية والرأي العام والمؤسسات السيادية والتي يجب أن تكون جريئة أيضاً وأن تتقبل درجة متفق عليها مسبقا من المخاطرة. فاليوم، هناك ضرورة لمزيد من الجرأة والقيادة والقدرة على صناعة القرار، ونقل الممارسات الناجحة من قطاع لآخر أو في نفس القطاع. وقال خليل أن المدارس اليوم تواجه تحديات جديدة فيما يتعلق بمخرجات التعليم لتتلاءم مع متطلبات الأسواق، الأمر الذي سيفرض تغيير المنهج والمحتوى بما يتوافق مع المهارات اللازمة والظروف عقب جائحة فيروس كوفيد-19. ولا شك أن إدارة المدارس سوف تكون أصعب بكثير مما كانت عليه، فهناك اليوم نوعين من المدارس، أولها المدارس المتميزة القادرة على تطوير نفسها واستقطاب أفضل الطلاب، والنوع الثاني هو المدارس من الفئة الثانية التي تعتبر كعقار يذهب إليه المعلمون لتعليم المنهج فقط، وسوف تتأثر هذه المدارس كثيراً مما يستدعي أن تقوم بنقلة نوعية ما بعد كوفيد-19. وهناك بعض الدول التي تطرح إدارة المدارس الحكومية على القطاع الخاص من خلال ممارسات ومناقصات. واليوم، دخلت الشركات العائلية والمستثمر المحترف على قطاع التعليم وقامت بتحسين الإدارة، لنشهد في السنوات الثلاث الأخيرة دخول صناديق الاستثمار الخاص المتخصصة بقطاع التعليم، ومن المهم إدراك أن التعليم ليس مشروع مستقل، بل هو ضمن منظومة المجتمع، ويبدأ بتحديد الكفاءات التي يتطلبها المجتمع ليتمكن من القيام بدور إيجابي.
وأشار خليل أن مستويات خريجي المدارس والجامعات الأجنبية تتفوق على خريجي المدارس والجامعات الحكومية، وهو ما هو ملحوظ في سوق العمل من حيث مهارات الخريج وطريقة تفكيره وتعامله مع أمور العمل بشكل يومي. ونظراً لصعوبة إعادة هيكلة التعليم الحكومي على المدى القصير، فإن أي استثمار ممكن أن يكون مكمل للتعليم الحكومي من خلال تقديم منهج أو برنامج مكمل بتكلفة ضئيلة بهدف رفع مستوى الطالب سيكون حل ممتاز على المدى القصير.
ومن جانبها، أشارت الغانم إلى التحديات التي واجهتها المدارس بعد أزمة كوفيد-19 وقرار إغلاق المدارس، وعدم استيعاب بعض أولياء الأمور لموضوع التعليم عن بعد وصعوبة الحصول على الدعم من وزارة التربية بتطبيق نظام التعلم عن بعد، لتصبح قضية شعبية تتباين فيها آراء كافة الأطراف المعنية. واستلزم الأمر 35 يوم في مدرسة ABS لإقناع الجهات المعنية بالسماح بتطبيق التعليم عن بعد كنظام اختياري للطلبة. ورغم التحديات، إلا أن وجود نظام تقني متقدم ومتطور في المدرسة واستعداد الطلبة إلى حد مناسب وتوفير فريق تقني لتدريب المعلمين ساهم في مواجهة هذه التحديات.
وأضافت الغانم أن المدارس المتميزة تعمل وفق معايير وتصنيفات معينة تلزمها بإيجاد الحلول المبتكرة لمواجهة مثل هذه الأزمات، ورغم صعوبة ذلك في الفترة الأولى، إلا أن الطلبة بدأت بالتفاعل مع الزملاء والمعلمين، وهو الأمر الذي رفع من معنوياتهم نفسياً واجتماعياً. ودعت لأن يتم تطوير النظام الحكومي الذي سينعكس إيجاباً على المدارس الخاصة ذات المستوى المتميز، أما المدارس التي تقدم جودة متدنية، فلن تتمكن من المواجهة. وأوضحت أن الكثير من أولياء الأمور يتجهون للمدارس والجامعات الخاصة نتيجة لتدني مستوى مخرجات قطاع التعليم الحكومي. إلا أنهم قد يقومون بالتفرقة بين الأبناء بإدخال بعضهم المدارس الحكومية والبعض الآخر المدارس الخاصة، مما قد يخلق فجوة وفروقات نفسية ونتائج مخرجات مختلفة، ويسبب في الإخلال بمنظومة العدالة الاجتماعية. وذكر ورد أن يجب أن تكون هناك عملية لإعادة صناعة وتأهيل قطاع التعليم بطريقة كلية، ويشارك في النقاش على طاولة وحدة خبراء من القطاع العام والخاص والتكنولوجيا لخلق منصة جديدة يكون فيها دور المدرس واضح سواء كنا في الصف او خارجه، لتستمر آلية التعليم وتقارير الطلاب والاختبارات تحت كل الظروف. فالأمر أصبح يتخطى أزمة كوفيد-19، ويستدعي تفعيل سبل التكنولوجيا والتعليم عن بعد وخلص تجربة جديدة أكثر شمولية.