
أوضح أولي هانسن، رئيس استراتيجية السلع لدى ساكسو بنك، خلال تقرير اقتصادي أن التأثيرات الاقتصادية السلبية لفيروس كورونا انتشرت في مختلف الأسواق كالنار في الهشيم، وتمثلت لعدة أسابيع بضعف السلع المسايرة للدورات الاقتصادية. وفي خطوة تفاقمت معها مشاعر الهلع في الأسواق، بدأ الأسبوع بانخفاض طارئ لأسعار فائدة الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بمعدل 50 نقطة أساس. وانهارت عائدات السندات السيادية العالمية في عدة أيام إلى مستوى قياسي منخفض، وازدادت تقلبات أسعار الذهب وأسواق الأسهم، فيما تعرض الدولار لبعض ضغوطات البيع مع خروج صفقات البيع على المكشوف.
وأحدثت اضطرابات خطوط الإمداد العالمية، والتغيرات المفاجئة في سلوكيات المستهلكين حول العالم، انخفاضاً حاداً في أسهم شركات الطيران والمطاعم ووجهات الترفيه والضيافة العالمية. وعانت سوق النفط الخام من ويلات أزمتها الخاصة، حيث تواصل أوبك وروسيا السعي لإيجاد أرضية مشتركة تسهم بالحد من أعلى انخفاض في الطلب العالمي على النفط الخام منذ الأزمة المالية العالمية. وفيما تظهر الصين مؤشرات انتعاش بطيئة، تحوّل التركيز إلى الولايات المتحدة الأمريكية بصفتها أكبر اقتصاد في العالم.
وأثيرت مخاوف وقوعها في مشكلة انتشار واسع للمرض جراء تعطّل نظام الرعاية الصحية وثقافة العمل غير الصحية.
وفي ظل هذه التقلبات الرهيبة، عاد الذهب مجدداً ليشكل الملاذ الآمن ضد الاضطرابات الناشئة، وحقق أكبر مكاسب أسبوعية منذ عام 2009 لتصل أسعاره إلى مستويات غير مسبوقة منذ سبع سنوات، وتبقى الفضة والبلاتين متخلفة وراءه. وبلغ معدل الفرق بينأسعار الذهب والفضة أعلى مستوياته في 40 عاماً عند 96، بينما بلغ معدل خصم البلاتين أمام الذهب رقماً قياسياً عند 820 دولار أمريكي للأونصة، قبل الإعلان عن تخفيض الإنتاج في وحدة البلاتين التابعة لشركة ’أنجلو أمريكان‘، والذي ساعد في دعم عودة الأسعار.
ودفعت العاصفة المثالية من العوامل الداعمة أسعار الذهب نحو الارتفاع والتفوق في الأداء. وإن وضعنا حجم الطلب على الملاذ الآمن جانباً، فقد تمثلت العوامل الدافعة لرفع أسعار الذهب نحو 1700 دولار أمريكي للأونصة في انهيار عائدات الولايات المتحدة الأمريكية الحقيقية المستحقة بعد 10 سنوات إلى 0.60%-، وهو أدنى مستوى لها منذ سبع سنوات، وفي الضعف المستمر لأسواق الأسهم.
وتسير توقعات السوق نحو انخفاض محتمل لسعر الفائدة الطارئ من مجلس الاحتياطي الفيدرالي يوم الاثنين إلى 1.25%، مع انخفاض آخر بنسبة 50 نقطة أساس في الاجتماع الدوري للجنة الفدرالية للأسواق المفتوحة يوم 18 مارس. وحتى الآن، بلغت النقطة المنخفضة 0.20%، والتي يمكن الوصول إليها قبل انتخابات الرئاسة الأمريكية في نوفمبر.
واتخذت الصناديق مركز مضاربة مرتفعاً، مما أثار بعض المخاوف بشأن التصحيح الحاد في حال تجدد ارتفاع التقلبات كما حدث في الأسبوع الماضي. ويدفع ارتفاع التقلبات الصناديق نحو استهداف مستوى معيّن من التقلبات في محفظتها للحد من الانكشاف بصورة عامة. وتأثرت أسعار الذهب بهذا التطور الأسبوع الماضي، عندما قفز مؤشر تقلبات سوق العقود في بورصة شيكاغو (CboeVIX) إلى 40% (يبلغ حالياً 37%).
وإذا وضعنا ذروة التقلبات جانباً، فقد أثيرت بعض المخاوف الإضافية بشأن استدامة عمليات الشراء القريبة من مستويات قياسية. وبلغت 285 ألف لوت خلال الأسبوع المنتهي بتاريخ 25 فبراير، قبل أن تستأثر الزيادة في مؤشر تقلبات سوق العقود في بورصة شيكاغو ببعض صفقات الشراء هذه. ومع ذلك، وبالنظر إلى حجم هذه الصفقات قياساً بالحجم الكلي، نجد أن المركز لم يرتفع بعد قياساً بالمستويات التي تحققت خلال الأعوام الـ 12 الماضية. واتجهت أسعار الذهب نحو أعلى إغلاق يومي في سبع سنوات بالقرب من 1700 دولار أمريكي للأونصة. ومع التخفيض الإضافي لأسعار الفائدة بـ 50 نقطة أساس، تعتمد إمكانية تحقيق مكاسب إضافية على استمرار الطلب على الملاذ الآمن. ومع أخذ ذلك بعين الاعتبار، يبدو أداء سوق الأسهم الأمريكي وأسعار الدولار وسوق السندات، عناصر أساسية لتحقيق المزيد من المكاسب.
وواصلت أسعار النفط الخام انهيارها طيلة أسبوع، حيث تراجع خام برنت إلى أدنى مستوياته في 32 شهراً عند أقل من 50 دولار للبرميل. وبعد استقراره ضمن نطاق محدد، تستأثر الصين على نصف حجم الطلب على النحاس، حيث يعكس قطاع الطاقة التطورات التي يشهدها الاقتصاد العالمي. ويثير انتشار فيروس كورونا من الصين مخاوف متزايدة للنمو العالمي، حيث تضرر الطلب على الوقود جراء حظر السفر والتقلبات التي تعرضت لها سلاسل الإمداد. واجتمعت مجموعة ’أوبك بلس‘ في فيينا للتصدي لأكبر صدمة يتعرض لها حجم الطلب منذ الأزمة المالية العالمية، واتخاذ الإجراءات المناسبة في وجه الانهيار الحالي للطلب. وعارضت روسيا قرار تخفيض الإنتاج بحجم 1.5 مليون برميل يومياً، وسننتظر حتى يونيو لتقييم التأثيرات. ولن يقتصر ذلك على الطلب وحده، وإنما على احتمالات التباطؤ بين المنتجين الآخرين وعلى رأسهم شركات النفط الصخري الأمريكي.
أوبك بلس وحدها تملك الإجابة عن تحديد سعر برميل خام برنت بين أربعين أو ستين دولار أمريكي. وقد تمت الإجابة عن هذا السؤال بعد الانتهاء من كتابة هذا التحديث. قبل تفشّي كورونا خارج الصين في منتصف يناير، توقعت منظمة أوبك، وإدارة الطاقة في الولايات المتحدة الأمريكية والوكالة الدولية للطاقة نمو الطلب العالمي في عام 2020 بمعدل 1.2 مليون برميل يومياً. وبناء على هذه التوقعات، واحتمال ارتفاع إنتاج الدول غير الأعضاء في أوبك بنحو 2.3 مليون برميل يومياً، اتخذت مجموعة ’أوبك بلس‘ قراراً في مطلع ديسمبر بتخفيض الإنتاج لموازنة السوق. وفيما تتجه المراجعة الحالية لنمو الطلب نحو الهبوط والاستقرار مع قليل من السلبية، يرجح اتساع الفجوة بين العرض والطلب إلى أكثر من مليون برميل يومياً. ودفع ذلك مجموعة ’أوبك بلس‘ نحو إجراء تخفيض آخر للإنتاج، للحيلولة دون مزيد من تدهور أسعار برميل النفط إلى أقل من 40 دولار أمريكي.
ومن المرجح أن يعاني إنتاج الدول غير الأعضاء في أوبك - ولا سيما من النفط الصخري الأمريكي - من التباطؤ جراء انخفاض الأسعار وشروط الائتمان المشددة. ومع ذلك، قد يستغرق الأمر عدة أشهر قبل تلمّس التأثيرات؛ ولا تملك أوبك الوقت نظراً لصدمات الطلب المستمرة والمتفاقمة.