
أوضح تقرير اقتصادي متخصص للبنك الوطني أن الأسواق المالية شهدت أداءً قوياً بنهاية العام 2019، حيث ارتفع مؤشر الأسهم الأمريكية ستاندرد أند بورز بنسبة 3% على أساس شهري في ديسمبر وتخطت عائدات سندات الخزانة لأجل 10 سنوات مستوى 1.9% وذلك بفضل تزايد التفاؤل بشأن مستقبل النمو العالمي وسط بيانات اقتصادية مشجعة، بالإضافة إلى التوصل إلى «المرحلة الأولى» من الاتفاقية التجارية بين الولايات المتحدة والصين. إلا أن هذا التفاؤل سرعان ما تضاءل في يناير نظراً لتصاعد التوترات العسكرية بين الولايات المتحدة وإيران، وفي حال استمر هذا الوضع على ما هو عليه فإنه قد يعرض منطقة الشرق الأوسط للمخاطر. وأدت تلك التطورات إلى ارتفاع سعر مزيج خام برنت إلى حوالي 70 دولاراً للبرميل بعد أن أنهى تداولات العام 2019 بأداء قوي بفضل تحسن توقعات الطلب العالمي وإعلان الأوبك في ديسمبر عن خفض إضافي للإنتاج.
الاتفاق التجاري يدعم التفاؤل
تراجعت حالة التشاؤم المتعلقة بمناخ النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة خلال الشهر الماضي في ظل صدور بيانات اقتصادية جيدة لا سيما على صعيد الوظائف والإسكان ونشاط قطاع الخدمات، هذا إلى جانب تزايد التفاؤل على خلفية التوصل إلى اتفاق تجاري جزئي للتجارة بين الولايات المتحدة والصين بما يخفف من حدة الضغط على الولايات المتحدة التي ما زالت تواجه ضعفا في أداء قطاع الصناعات التحويلية (الرسم البياني رقم 1). حيث ارتفعت تقديرات نمو الناتج المحلي الإجمالي في الربع الرابع بحسب تقديرات «Nowcast» الصادرة عن بنك الاحتياطي الفيدرالي في أتلانتا، والتي تشير إلى إمكانية ارتفاع معدلات النمو إلى 2.3% على أساس سنوي في الربع الرابع من العام 2019 مقابل 2.1% في الربع الثالث. وبذلك ترتفع تقديرات النمو للعام 2019 بأكمله بوتيرة جيدة تصل إلى 2.4%، على الرغم من أنها أقل بالمقارنة بمعدل 2.9% المسجل في العام السابق. وفي ظل الوضع الاقتصادي القوي إلى حد ما وقوة سوق الأوراق المالية واحتواء معدلات التضخم وتراجع المخاطر المتعلقة بالتجارة الخارجية، تشير كل تلك العوامل إلى غياب الحاجة لدفع الاحتياطي الفيدرالي لتغيير أسعار الفائدة عن المستويات الحالية. وتأكيداً لذلك، عزز محضر اجتماع الاحتياطي الفيدرالي الذي عقد في ديسمبر تلك التوجهات في ظل تزايد اجماع المسؤولين للإبقاء على السياسة النقدية دون تغيير خلال العام 2020.
وأخيراً طرأت بعض التطورات الإيجابية على صعيد التجارة بين لولايات المتحدة والصين، حيث تمكن الطرفان من الاتفاق على «المرحلة الأولى» من الصفقة ستجلب معها فعلياً هدنة مؤقتة للنزاع الذي استمر على مدى 18 شهراً، ومن المقرر أن تدخل الاتفاقية حيز التنفيذ اعتباراً من 15 يناير المقبل. وبمقتضى شروط تلك الصفقة، تلتزم الصين بشراء سلع زراعية أمريكية بقيمة 40 مليار دولار سنوياً، وتتخذ خطوات لإنهاء نقل التكنولوجيا القسري وتجنب خفض قيمة العملة للحصول على ميزة تنافسية. وفي المقابل ستقوم الولايات المتحدة بخفض الرسوم الجمركية التي فرضتها على الواردات الصينية في سبتمبر بمعدل النصف لتصل إلى 15%، كما قررت تعليق قرار زيادة الرسوم الجمركية المزمع تطبيقه في ديسمبر.
وعلى الرغم من اعتبار تلك الاتفاقية بمثابة خطوة أولى نحو التخفيف من حدة الخلاف الذي أثر سلباً على مستويات الثقة والتجارة والصناعة في كافة أنحاء العالم والذي من شأنه أن يضمن أيضاً عدم تطبيق أي زيادة مستقبلية في الرسوم الجمركية، إلا أنه بمقتضى هذا الاتفاق تلتزم الصين بتسديد رسوم جمركية على واردات أمريكية بقيمة 250 مليار دولار من الصين والتي تم فرضها قبل سبتمبر، كما يخلف ورائه بعض القضايا الشائكة مثل الدعوم التي تقدمها الحكومة الصينية والاختراقات الإلكترونية دون ايجاد حلول لها. هذا وقد تتأثر إمكانية التوصل إلى «المرحلة الثانية» من الاتفاق بالعوامل السياسية قبل موعد اجراء الانتخابات الرئاسية في نوفمبر وكذلك الحد الذي لا يشجع فيه الاتفاق الاحتياطي الفيدرالي من مواصلة مساعيه تجاه مزيد من السياسة النقدية التيسيرية، وهو الأمر الذي قد ينتج عنه دفع الاقتصاد الأمريكي لتسجيل نمو إيجابياً وإن كان بمعدلات متواضعة.
المملكة المتحدة تمضي قدما في انفصالها
على صعيد منطقة اليورو، ارتفع مؤشر مديري المشتريات المركب بنهاية شهر ديسمبر إلى 50.9 مقابل 50.6 في نوفمبر، إلا أن هذا الارتفاع يشير إلى أن معدل النمو الإجمالي ما يزال ضعيفاً. واستناداً إلى الاتجاهات السابقة، قد يكون هذا الوضع متسقاً مع نمو الناتج المحلي الاجمالي بنسبة 0.1% فقط على أساس ربع سنوي في الربع الرابع من العام 2019، فيما يعد أقل بكثير من الاتجاه السائد، كما أنه أقل من معدل النمو 0.2% المسجل في الربعين الثاني والثالث. و تشير استطلاعات الرأي الأخرى إلى أن أسوأ تباطؤ في النشاط الاقتصادي قد يكون قد انتهى، إلا أن الانتعاش سيكون تدريجياً نظراً لاستمرار هشاشة الاوضاع الخارجية وتوافر إشارات تدل على تباطؤ سوق العمل، هذا بالإضافة إلى استمرار تردد الحكومة الألمانية في توفير حوافز مالية كبيرة.
وبعد قيام البنك المركزي الأوروبي بخفض أسعار الفائدة إلى -0.5% في سبتمبر و إعادة تبني برنامج التيسير الكمي في نوفمبر فقد تتمثل خطوته القادمة في توسعه نطاق السياسة النقدية التيسيرية خلال الأشهر القليلة المقبلة نظراً لبلوغ معدل التضخم الأساسي 1.3% على أساس سنوي في ديسمبر فيما يعد أدنى بكثير من الحد المستهدف للبنك المركزي الأوروبي «دون نسبة 2% ولكن قريباً منها». إلا أن النطاق قد يكون محدوداً على خلفية المخاوف المتعلقة بمدى تأثير معدلات الفائدة السلبية على الاستقرار المالي، وانتهاء عهد ماريو دراجي الذي اتسم باتباع سياسة نقدية تيسيريه وان تميز بمكانة ونفوذ قوي كرئيس للبنك المركزي الأوروبي، هذا إلى جانب قيام البنك بتقييم عواقب الافراط في اتباع التدابير التيسيرية كجزء من مراجعته الإستراتيجية الأوسع نطاقاً للسياسة النقدية خلال العام الحالي.
وعلى صعيد المملكة المتحدة، حقق حزب المحافظين فوزاً ساحقاً في الانتخابات البرلمانية التي أجريت في 12 ديسمبر والتي اسفرت عن حصول رئيس الوزراء بوريس جونسون على أغلبية مريحة في البرلمان على مدار الأعوام الخمسة المقبلة. وفي الأسبوع التالي، تمكن البرلمان من تمرير صفقة انفصال المملكة المتحدة عن الاتحاد الأوروبي بسهولة وفقاً للنص الذي أعاد جونسون التفاوض عليه بما يمهد الطريق أمام المملكة المتحدة للخروج من الاتحاد الأوروبي بنهاية يناير 2020. وستدخل المملكة المتحدة فترة انتقالية مدتها 11 شهراً تبدأ في فبراير يتطلع خلالها الجانبان إلى التفاوض للتوصل إلى اتفاق يحكم العلاقة التجارية بين الطرفين في المستقبل، مع إمكانية أن يصر الاتحاد الأوروبي على توسيع نطاق التوافق التنظيمي من جهة المملكة المتحدة مقابل فتح المجال أمامها للوصول إلى أسواق الاتحاد الأوروبي. ويفضل جونسون التوصل إلى تدابير أكثر مرونةً واستبعد تمديد الفترة الانتقالية إلى ما بعد العام 2020 بما قد يؤدي إلى عودة المملكة المتحدة إلى تنظيم معاملاتها التجارية وفقاً لشروط منظمة التجارة العالمية إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق بحلول ذلك الوقت. وأدت المخاوف من «عدم التوصل إلى اتفاقية « إلى تخلي الجنيه الإسترليني عن مكاسبه التي حققها فور الانتهاء من مرحلة الانتخابات، وإن كان تراجع حالة عدم اليقين السياسي إلى حد ما وتزايد إمكانية التوصل إلى ميزانية توسعية في مارس من شأنه أن يساهم في تعزيز معدل النمو الاقتصادي فوق مستوى 1% في العام 2020 والإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيير.
تحسن معدل نمو الاقتصاد الياباني
تم تعديل معدل نمو الاقتصادي الياباني في الربع الثالث إلى 1.8% على أساس سنوي فيما يعد أعلى بكثير من التقدير الأولي البالغ 0.2%، وذلك بفضل زيادة الاستثمارات والإنفاق الاستهلاكي. إلا أن ارتفاع الإنفاق الاستهلاكي قد يعزى إلى رغبة المستهلكين في التغلب على زيادة ضريبة المبيعات في أكتوبر وبالتالي من غير المرجح أن يستمر نفس الاتجاه في الربع الرابع. وكمؤشر على ذلك، تحسن معدل تراجع نمو الواردات إلى 4.8% على أساس سنوي في الربع الثالث من العام 2019، إلا أنه عاود تراجعه مجدداً وسجل انخفاضاً حاداً بنسبة 15% في نوفمبر بما يعكس موطن الضعف الكامن في الطلب المحلي. وفي ذات الوقت، استمر تراجع الصادرات، حيث انخفضت بنسبة 7.9% في نوفمبر. إلا أنه على الرغم من ذلك، احتفظ بنك اليابان بموقف إيجابي بصفة عامة خلال اجتماع السياسة النقدية الذي عقد في ديسمبر وامتنع عن اتخاذ تدابير تيسيريه في ظل تراجع حالة عدم اليقين بشأن الاقتصاد العالمي لأسباب ليس اقلها التوصل إلى اتفاقية تجارية بين الولايات المتحدة والصين.
آفاق الاقتصاد الصيني أكثر اشراقاً
سيتمكن الاقتصاد الصيني من تنفس الصعداء مع دخول «المرحلة الأولى» من الاتفاقية التجارية مع الولايات المتحدة حيز التنفيذ اعتباراً من 15 يناير المقبل، وهو الأمر الذي من شأنه إعطاء دفعه قوية للقطاع الخارجي الذي هو في اشد الحاجة إليها بعد انخفاض الصادرات (-1.2% على أساس سنوي) للشهر الرابع على التوالي في نوفمبر. وفي ذات الوقت، من المتوقع تطبيق المزيد من التدابير التيسيرية على الصعيدين النقدي والمالي سعياً لتعزيز الدعم الاقتصادي. حيث أعلن البنك المركزي خفض نسبة متطلبات الاحتياطي للمؤسسات المالية بمقدار 50 نقطة أساس (بداية من 6 يناير) بما سيساهم في ضخ 800 مليار يوان (115 مليار دولار) من السيولة في النظام المصرفي ويسمح للبنوك بتقليل تكاليف الإقراض المقدم للقطاع الخاص، لا سيما بالنسبة للشركات الصغيرة والمتوسطة. كما قد يساهم أيضاً في تعزيز الطلب النقدي قبيل عطلة رأس السنة الصينية. ومن جهة أخرى، تعهد البنك المركزي بالحفاظ على سياسة نقدية «حصيفة ومرنة وملائمة». ويبدو أن سلسلة التدابير المؤيدة للنمو ما زالت تؤدي وظائفها حتى الآن، حيث تشير أحدث بيانات مؤشر مديري المشتريات التصنيعي إلى توافر علامات دالة على الاستقرار الاقتصادي. وعلى إثر ذلك، ارتفعت قيمة اليوان للشهر الرابع على التوالي في ديسمبر، في حين ارتفع سعر الصرف المركزي بنسبة 0.8% ليصل إلى 6.98 يوان / الدولار الأمريكي.
تباطؤ النمو الاقتصادي في الهند
تباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد الهندي إلى أدنى مستوياته المسجلة في ستة أعوام ليصل إلى نسبة 4.5% في الربع الثالث من العام 2019 مقابل 5.0% في الربع الثاني ليسجل بذلك الانخفاض السادس على التوالي على أساس ربع سنوي متأثراً بأبطأ وتيرة نمو للاستثمار منذ العام 2014 (1%). حيث تأثر الاستثمار بتشديد الشروط الائتمانية بعد انهيار إحدى المؤسسات غير المصرفية المقرضة في العام 2018. وتقلصت الصادرات بنسبة 0.4% على خلفية تأثرها بضعف الطلب العالمي. من جهة أخرى، ارتفع نمو الاستهلاك الخاص، على الرغم من أنه لا يزال ضعيفا نسبيا، إلى 5% مقارنة بأدنى مستوياته المسجلة في خمس سنوات عند مستوى 3.1% في الربع الثاني. وإن كانت أحدث البيانات الصادرة تشير إلى بعض العوامل التي تدعو إلى التفاؤل. وارتفعت مؤشرات قياس أنشطة مديري المشتريات تدريجياً، وبلغت مؤشرات قطاع الصناعات التحويلية والخدمات مستوى 52.7 و 53.3 على التوالي في ديسمبر على خلفية الطلبيات الجديدة وتزايد فرص العمل. وقد ساهم في تعزيز تلك التوقعات عدد من العوامل من ضمنها خفض أسعار الفائدة بمقدار 135 نقطة أساس في العام 2019 وتخفيض ضريبة الشركات (من 35% إلى 25% و 17% لقطاع الصناعات التحويلية) في سبتمبر. ولكن بالنظر إلى أن نطاق التحفيز المالي والنقدي قد يكون محدودا بسبب ارتفاع عجز الحسابين المالي والجاري والتضخم، هذا بالإضافة إلى أن القطاع المصرفي ما يزال مثقلاً بالديون المعدومة، لذا هناك اجماعاً من المحللين إلى أن أي انتعاش سيشهده النمو سيكون متواضعاً خلال الفترة القادمة.
ارتفاع أسعار النفط
بدأ العام الجديد مصحوباً بتصدر المخاطر الجيوسياسية للواجهة في أسواق النفط. حيث قفز سعر مزيج خام برنت أكثر من 3% ليصل إلى 69 دولاراً للبرميل بعد تنفيذ هجمة جوية بواسطة طائرة أمريكية بدون طيار استهدفت مقتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني أثناء تواجده في العراق. وفي ظل تصاعد التوترات الإقليمية واتخاذ إيران خطوة انتقامية لاحقاً تمثلت في شن هجوم على قاعدة عسكرية أمريكية في العراق، يبدو أن أسعار النفط استفادت على الفور (ولكن لفترة وجيزة) من تصعيد المخاطر الجيوسياسية، فضلاً عن ديناميكيات العرض والطلب التي بدأت في الظهور بنهاية العام 2019. وساهم ذلك الأخير في دفع مزيج خام برنت للارتفاع لينهي تداولات العام بمكاسب سنوية بلغت 23% فيما يعد أفضل أداء له منذ العام 2016. وشملت تلك العوامل التوصل إلى الاتفاقية التجارية بين الولايات المتحدة والصين وقرار الأوبك وحلفائها بخفض إنتاج النفط بمقدار 500 ألف برميل يومياً عن المستويات الحالية (لتصل بذلك كمية الخفض الإجمالية إلى 2.1 مليون برميل يومياً) حتى مارس على الأقل. هذا وتتوقع الأسواق أن يساهم قرار أوبك في الحد من تراكم الامدادات وسحب تخمة المخزون. في ذات الوقت، بدأ في الأول من يناير سريان اللوائح المشددة بشأن انبعاثات الكبريت في وقود السفن (صهاريج التخزين) من قبل المنظمة البحرية الدولية. حيث تفرض تلك اللوائح على وسائل الشحن البحري استخدام وقود نظيف لا يتخطى محتوى الكبريت به أكثر من 0.5% مقابل 3.5% في السابق. وتفضل تلك اللوائح استخدام الخام الخفيف والحلو مثل مزيج خام برنت وخام غرب تكساس الوسيط التي تنتج كميات أكبر من الوقود بمستويات منخفضة من الكبريت مقارنة بالخام المتوسط والثقيل الأكثر انتشاراً على المستوى الإقليمي، والذي ينتج عنه كميات أقل بعد التكرير.