
كان حضور الكويت فاعلاً وكبيراً ومتميزاً في «القمة الاقتصادية العربية البريطانية 2019» التي عقدت في لندن يوم الأول من أمس الأربعاء 3 يوليو الجاري . فقد كانت غرفة تجارة وصناعة الكويت شريكاً استراتيجياً في تنظيم «القمة» ، وشارك في رعايتها بنك الكويت الوطني ، والمركز المالي ، وبورصة الكويت . وكان رئيس غرفة تجارة وصناعة الكويت علي محمد ثنيان الغانم من المتحدثين الرئيسيين في جلسة الافتتاح ، كما شاركت د. سميرة أحمد سيد عمر المدير العام لمعهد الكويت للأبحاث العلمية في الجلسة الخاصة بالطاقة المتجددة . وشيخة خالد البحر نائب الرئيس التنفيذي لمجموعة بنك الكويت الوطني في الجلسة الخاصة بالمصارف والتمويل ، والتي رعاها المركز المالي الكويتي وترأسها الرئيس التنفيذي للمركز مناف عبد العزيز الهاجري . كما شارك في القمة «اتحاد مصارف الكويت واتحاد شركات الاستثمار» فضلاً عن الهيئة العامة لتشجيع الاستثمار المباشر .
نظمت القمة غرفة التجارة العربية البريطانية ، وعقدت في مركز الملكة اليزابيث الثانية بلندن بحضور تجاوز 500 مشاركاً من المملكة المتحدة وكافة الدول العربية .
وتوزعت أعمال «القمة» على خمس جلسات عمل تناولت : الاستثمار في البنية الرئيسية والتنمية المستدامة ، الطاقة المتجددة ، دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كمحرك للأسواق العالمية ، الزراعة والأمن المائي ، الشباب والعمالة وريادة الأعمال ، المصارف والتمويل : التقنيات المالية والسلسة المغلقة .
أما جلسة الافتتاح فقد تحدث فيها أمين عام جامعة الدول العربية ، ووزير الدولة البريطاني لشؤون السياسة التجارية ، وأمين عام مجلس التعاون الخليجي ، ورئيس غرفة تجارة وصناعة الكويت النائب الأول لرئيس الغرفة العربية البريطانية ، ومحافظ سوق لندن المالي ، ورئيس اتحاد الغرف العربية .
ومما جاء في كلمة علي الغانم : «في اعتقادنا ليس ثمة أزمة خطيرة في العالم العربي والشرق الأوسط ، بل هناك أزمة تنبثق من هذه المنطقة لتضع العالم كله على حدود الخطر . ويؤكد تقرير أولبرايت – هادلي ان تداعيات « الربيع العربي الغاضب « كانت سبباً أساسياً وراء جنوح بريطانيا نحو بريكست ، كما ساهمت في عودة التطرف الى الساحة السياسية الدولية «. ومن مصلحة أوربا والعالم العربي معاً أن يوظفا قضايا الهجرة والأمن لـتأكيد أهمية تعاونهما الاقتصادي « . وأن « الحرب التجارية الحمائية تمثل أحد أهم الاخطار المهددة للتعاون الاقتصادي العربي البريطاني لأن أضرار الحروب التجارية تلحق بالاقتصاد العالمي كله «.
وفيما يلي النص الكامل لكلمة السيد الغانم في حفل افتتاح القمة الاقتصادية العربية البريطانية.
أصحاب السعاده ؛
السيدات والساده ؛
في ابريل الماضي ، كان أطفال الكويت يشاركون أطفال بريطانيا احتفالهم بمرور مائتي عام على ولادة جدة القارة الأوربية ، الملكة فكتوريا .
وفي مايو الماضي ، وبمناسبة مرور 120 عاماً على المعاهدة الكويتية البريطانية ، قال نائب رئيس الوزراء ووزير خارجية دولة الكويت ، سعادة الشيخ صباح الخالد ، « إن بريطانيا، وفي ظل أجواء عسيرة عاصفة ، أثبتت أنها حليف وفي .»
ولو كنت أتحدث إليكم الآن كرئيس غرفة تجارة وصناعة الكويت فقط ، لانطلقت من هذين المشهدين في قراءة مستقبل التعاون الاقتصادي بين المملكة المتحدة ووطني الكويت . ولكن أول ما يؤهلني للوقوف على هذا المنبر – بكل امتنان واعتزاز – هو موقعي كرئيس للجانب العربي في غرفة التجارة العربية البريطانية . وبالتالي ، فإن حديثي يجب أن يعنى بالعلاقات الاقتصادية بين المملكة المتحدة والعالم العربي كله ، وهو حديث لا بدَّ أن يراعي حقيقتين اثنتين:
الأولـى : أننا عندما نتحدث عن العالم العربي فإننا – بشكل أو بآخر – نتحدث عن الشرق الأوسط ، حيث نعرف تماماً أن للعرب في هذه المنطقة شركاء جوار وتاريخ وحضارة ، نتمنى دائماً أن نتعاون معهم على أسس العدل والسلام والاحترام . وبالمقابل ، عندما نتحدث عن التعاون الاقتصادي العربي مع المملكة المتحدة ، يصعب علينا – قبل بريكست أو بعده – أن نعزل هذا التعاون عن العلاقات الاقتصادية العربية الأوربية عموماً.
أما الحقيقة الثانية ؛ فهي أن العالم يعيش فترة تحول جوهري شامل وحاسم ، يجعل الاعتماد على خبرات الماضي في تشكيل صورة المستقبل أمراً قليل الجدوى ، مما يستدعي تفكيراً إبداعياً من خارج الصندوق كما يقال .
في ضوء هاتين الحقيقتين ، سأحاول تقديم عرض بالغ الايجاز لعدد من القضايا الرئيسية ، التي أعتقد أنها ستكون ذات تأثير مباشر في تشكيل العلاقات الاقتصادية العربية البريطانية:
أولاً – ستبقى للنفط أهمية مؤثرة ، وخاصة من حيث توفر وتدفق الاستثمارات وتوجهاتها بين الطرفين . ورغم التوقعات المحافظة التي تؤكد بأن الطلب العالمي على الطاقة سيرتفع بحدود 30 في المئة خلال العقدين القادمين ، فإن من الصعب أن ننكر احتمالات انخفاض الأهمية العالمية للنفط وآثارها على العالم العربي وبريطانيا معاً. كما يصعب على بريطانبا أن تتجاهل انعكاسات تحرك مركز الثقل الاقتصادي العالمي نحو الشرق.
ثانياً - في اعتقادنا ، ليس ثمة أزمة خطيرة في العالم العربي والشرق الأوسط، بل هناك أزمة تنبثق من هذه المنطقة لتضع العالم كله على حدود الخطر. فالعالم العربي يعيش حروباً غاضبة، تسببت في أسوأ أزمة انسانية منذ الحرب العالمية الثانية، وتمثلت – إلى جانب الضحايا والدمار – في هجرة جماعية وصلت أثارها إلى معظم الدول الأوروبية، وأدت إلى تحولات وتفاعلات اقتصادية واجتماعية وسياسية في هذه الدول، جعلت تقرير «اولبرايت -هادلي» يصارح باعتقاده أن هذه الهجرة كانت سبباً أساسياً وراء جنوح بريطانيا نحو بريكست، كما ساهمت في عودة تيارات التطرف إلى الساحة السياسية الدولية، مقابل تراجع واضح للسياسات المتعلقة بالحريات عموماً، وبالحرية الاقتصادية على وجه الخصوص.
إن من مصلحة أوروبا – ومن ضمنها بريطانيا – أن تتعرف بعمق، على أبعاد التحولات والمخاطر التي تمر فيها المنطقة العربية، وأن تتعامل معها بتفهم وعدل. كما أن من مصلحة أوروبا والعالم العربي معاً أن يوظفا قضايا الهجرة والأمن لتأكيد أهمية تعاونهما الاقتصادي.
ثالثاً- تواجه منظمة التجارة العالمية اخطر اختبار لها منذ إنشائها. وهو اختبار وصفه وزير التجارة الدولية البريطاني سعادة الدكتور ليام فوكس بأنه يكاد يكون أزمة وجود . والواقع، أن الحرب الحمائية التجارية تمثل أحد أهم الأخطار المحيطة ببريطانيا والدول العربية على حدٍ سواء. ذلك أن الحروب التجارية لاتؤذي أطرافها فقط ، بل تضر الاقتصاد العالمي كله.
أصحاب السعادة ؛
السيدات والساده ؛
رغم الاقرار بصعوبة وتعقيد الأوضاع الحالية في العالم العربي، فإن من المؤكد أن هذا الأمر لا يمكن أن يستمر. وإذا كان على العرب أنفسهم أن يعملوا جادين لانهاء خلافاتهم وإصلاح أوضاعهم، فإن للمجتمع الدولي عموماً، وللدول الأوربية خصوصاً، مصالح كثيرة ومباشرة ، وعليها مسؤولية أخلاقية وتاريخية. ليس لمجرد معالجة الأزمة الراهنة ، بل لإعادة المنطقة كلها إلى الطريق الصحيح.
إن العرب يملكون موارد غنية وثروات كبيرة وموقعاً استراتيجياً بالغ الأهمية، وأكبر ثروات العرب وأهمها هي رأس المال البشري الذي يشكل مخزوناً تنموياً هائلاً لو أتيح له التعليم الصحيح . وفي الماضي القريب والبعيد شواهد كثيرة على أن أحداثاً ، بمثل آلام وضحايا الربيع العربي الغاضب ، كانت المدخل الصعب لبناء مجتمعات حديثة .
ومن جهة أخرى، إن العالم العربي اليوم يعرف تماماً أن للقطاع الخاص دوراً أساسياً في التنمية، كما يعرف تماماً أهمية الاستثمارات الأجنبية وضرورة إيجاد البيئة التشريعية والأمنية اللازمة لاجتذابها. ويدرك العالم العربي – بالتجربة المرة – مدى الارتباط الوثيق بين التنمية والعمالة والاستقرار من جهة ، وبين الفقر والبطالة والفساد من جهة أخرى .
إن تعاون العالم العربي والمجتمع الدولي – وفي طليعته بريطانيا ذات الخبرة الطويلة والمصالح الكبيرة في المنطقة – لن يؤدي فقط إلى قيام عالم عربي جديد ، بل سيجعل من هذه المنطقة محركاً قوياً للنمو العالمي. فالعالم العربي ليس مجرد منطقة اضطراب وصراع، بل هو واحة مليئة بالفرص. وإن التعريف بهذه الفرص هو هدف هذه القمة التي تنظمها غرفة التجارة العربية البريطانية بكل اقتدار
وأخيراً ، نحن العرب نعرف تماماً أن الأمل ليس استراتيجية كافية بحد ذاته ، كما نعرف تماماً أن أولئك الذين لا يشاركونا الأمل بقيام عالم عربي جديد ، لن يستطيعوا المساهمة معنا في بنائه.
شكراً لكم ،وعذراً عن تجاوزي لحدود الكلمة ووقتها .