تتوطد العلاقات الدبلوماسية بين الصين ودول الخليج بشكل قوي وسريع. فقد قام وفداً كويتياً بقيادة سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ جابر مبارك الحمد الصباح بزيارة الصين الأسبوع الماضي لتوقيع 10 اتفاقيات حول إلغاء إجراءات الفيزا والتبادل في التعليم والاتصالات والنفط وحتى إمكانية تنسيق الاستثمارات المشتركة في أفريقيا. ولا يقتصر هذا الأمر على الكويت فقط من دول المنطقة، فقبلها بأيام قليلة زار وزير الدولة الإماراتي أحمد الجابر الصين لمناقشة التعاون في مجالات الطاقة والبنية التحتية والتكنولوجيا، وفي مارس الماضي وقع نائب خادم الحرمين الشريفين الأمير سلمان بن عبدالعزيز آل سعود عدداً من الاتفاقيات الاقتصادية واتفاقيات الطاقة خلال زيارة رسمية إلى الصين. ومن المتوقع أن تزيد هذه الزيارات الدبلوماسية المحملة بالاتفاقيات الاقتصادية. وقد زادت العلاقات الاقتصادية والمالية بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي بشكل مذهل خلال السنوات العشرين الماضية. والأهم من ذلك، هو أن هذه الروابط الاقتصادية بين المنطقتين ستزيد وتقوى بالنظر إلى التوجهات الحالية في أسواق الطاقة العالمية.
وتعتبر التدفقات التجارية مقياساً ممتازاً لتطور العلاقات الصينية-الخليجية، وتشير أحدث البيانات الخليجية عن الصادرات والواردات إلى أن الاتصال يزداد قوة بسرعة كبيرة. وفي يناير 2014 بلغت التدفقات التجارية رقماً قياسياً جديداً في معدلات التبادل التجاري بين المنطقتين، حيث جاءت 14 في المئة من إجمالي الواردات التي وردت إلى دول مجلس التعاون الخليجي من الصين. وقد زاد وزن الصين في واردات الخليج إلى أكثر من الضعف، حيث كانت واردات المنطقة من الصين قبل عشر سنوات تصل لنسبة 6.4 في المئة فقط، وهناك اتجاه مماثل على الجانب الصادرات. فقبل عشرين عاماً، في عام 1994، كانت صادرات الخليج إلى الصين لا تتعدى 1 في المئة. ونمت بعد مرور عشر سنوات، لتصل إلى 4 في المئة ، وبلغت الآن نحو 11 في المئة. وتختلف الأهمية النسبية للصين بين البلدان. فبالنسبة للسعودية، الصين هي أهم الشركاء التجاريين لأنها اشترت 14 في المئة من صادراتها في عام 2013 مقارنة بنسبة 5.5 في المئة قبل عشر سنوات. كما أصبحت الكويت أيضاً تعتمد بشكل كبير على المشتريات الصينية. فقد ارتفعت حصة الصين في إجمالي الصادرات الكويتية خلال عشر سنوات من 2.5 في المئة إلى ما يقرب من 9 في المئة. وتبقى الإمارات واحدة من أقل بلدان المنطقة اعتماداً على الصين، حيث تصدر 4.4 في المئة فقط من صادراتها إلى الصين، على الرغم من أن هذه النسبة لا تزال تمثل ثلاثة أضعاف حصة عام 2003، والتي كانت 1.4 في المئة فقط. وتقل هذه الأرقام أكثر عند النظر إلى عمليات إعادة التصدير في دبي. وعموماً، فإن وزن الصين في الصادرات الإقليمية زاد لأكثر من الضعف ليصل إلى 10.8 في المئة من مجموع الصادرات. وبالأرقام المطلقة، صدرت دول مجلس التعاون الخليجي 96 مليار دولار للصين في عام 2013، أي ما يعادل الناتج المحلي الإجمالي للمغرب. ولا تزال الطاقة تلعب دوراً مركزياً، وستواصل ذلك مستقبلاً. ويمثل النفط 80 في المئة من هذه الصادرات، وتمثل المنتجات المتعلقة به مثل البتروكيماويات والبلاستيك نسبة إضافية تبلغ 16 في المئة. وبالنظر إلى سياسات التنويع الاقتصادي غير الناجحة في الخليج، فمن غير المحتمل أن تتمكن دول مجلس التعاون الخليجي على إجراء تغيير جوهري في صادراتها في المستقبل القريب، ولكن النمو الصيني سيولد احتياجات هائلة من الطاقة خلال العقدين القادمين. وتشير تقديرات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية إلى أن واردات الصين من النفط سترتفع إلى 8.7 ملايين برميل يومياً بحلول عام 2020، بينما تبلغ اليوم 6 ملايين برميل. ومن المتوقع خلال تلك الفترة أن تنخفض واردات أمريكا النفطية إلى 6.8 ملايين برميل يومياً، بعد أن بلغت ذروتها عند 13.5 مليون برميل يومياً في عام 2005. وحتى عام 2040، من المتوقع أن يرتفع استهلاك النفط بنسبة 2 في المئة سنوياً في الصين، و 2.6 في المئة في الهند، و 1.8 في المئة في بقية دول آسيا، مقارنة بنسبة 0.8 في المئة على الصعيد العالمي. من وجهة نظر دول مجلس التعاون الخليجي، يمثل توسع الطلب الآسيوي بوليصة تأمين ضد انخفاض احتياجات أميركا النفطية. أما من وجهة النظر الآسيوية، فإن احتمال توافر قدر أكبر من النفط بسبب انخفاض الطلب في الولايات المتحدة يقدم فرصة للنمو مع أسعار أرخص للطاقة. تشير جميع عناصر التحليل الكلي إلى أن الصين ستزيد وجودها في منطقة الخليج في السنوات المقبلة بشكل كبير.