
قال تقرير البنك الوطني ارتفعت أسعار النفط الخام بشكلٍ ملحوظ خلال شهري يوليو وأغسطس الماضيين، مع وصول بعض الأسعار الإسنادية لأعلى مستوى لها منذ ستة أشهر. وقد ارتفع سعر خام التصدير الكويتي في منتصف أغسطس الى 107 دولارات للبرميل الواحد، بعد أن كان متوسطه في شهر يونيو يبلغ 100 دولار، أي أعلى بواقع 13 في المئة من أدنى مستوى له في 2013 والبالغ 95 دولارا الذي سجله في أبريل. وقد حقق مزيج برنت مكاسب عالية، ليصل إلى 117 دولارا بنهاية أغسطس، مقارنةً مع 103 دولارات في المتوسط في يونيو. ومن الملفت وصول سعر مزيج غرب تكساس الى أعلى مستوى له منذ ستة عشر شهراً يبلغ 109 دولارات. وقد تقلّص الفارق بين سعري خام غرب تكساس ومزيج برنت «الذي كان قد وصل الى 30 دولارا خلال السنوات الماضية» الى دولار واحد فقط. ويعزى ذلك جزئياً إلى تراجع الإمداد النفطي مؤخراً من الولايات المتحدة الأمريكية.
وأضاف التقرير تعود نسبة كبيرة من هذه الارتفاعات الى مسائل تتعلق بانتاج النفط. فقد هبط انتاج النفط في بعض الدول من أعضاء منظمة أوبك كالعراق وليبيا ونيجيريا، ويرجع هذا الهبوط لكل من الإضرابات والتحديات الأمنية وأمور تتعلق بالصيانة. ومع تأثير العقوبات المفروضة على ايران التي طالت انتاجها النفطي، تقدّر وكالة معلومات الطاقة في الولايات المتحدة الأميركية توقّف إنتاج ما يقارب 1.9 مليون برميل يومياً خلال يوليو، أو بواقع 2 في المئة من عمليات الإنتاج النفطي العالمية. ونرى تراجعا في الضغوطات على مستويات الانتاج خلال الأشهر القادمة، وذلك بسبب توقف الانقطاعات في الانتاج بالإضافة إلى إرتفاع الإنتاج من خارج اوبك. ولكن نظراً إلى هشاشة الأوضاع الأمنية في بعض هذه المناطق، فقد نشهد انقطاعات جديدة في الإنتاج.
وتابع بالإضافة الى المسائل المتعلقة بإنتاج النفط، فقد ارتفعت أيضاً الضغوطات على الأسعار نتيجة زيادة الإضطرابات في الشرق الأوسط ولا سيما في مصر وسوريا. وعلى الرغم من أن هاتين الدولتين لا تعتبران مصدرتين رئيسيتن للنفط، إلا أنه من المحتمل أن يصل تأثيرهما الى أسواق النفط. كما أدت الإضطرابات في مصر إلى ازدياد القلق حول أمن قناة السويس التي تعتبر مركزاً هاماً لتجارة النفط العالمية، حيث شهدت القناة «ومن ضمنها خط أنابيب سوميد» تدفق ما يقارب 4.5 ملايين برميل يومياً من النفط ومنتجاته في العام 2012.
ولقد تمت مراجعة توقعات المحللين لنمو الطلب على النفط في العام 2013 خلال الأشهر الأخيرة. حيث تتوقع الوكالة الدولية للطاقة زيادة الطلب على النفط بواقع 0.9 مليون برميل يومياً أو بواقع 1.0 في المئة بدلا من زيادة قدرها 0.8 مليون برميل يومياً كانت تتوقعها في يونيو. لكن الوكالة مازالت تتوقع تباطؤ النمو في 2013 مقارنة مع العام الماضي حين بلغ 1.2 في المئة . وقد رفع مركز دراسات الطاقة الدولي بدوره من توقعاته بنسبة اكبر حيث يرى زيادة الطلب بواقع 1.0 مليون برميل يومياً بدلا من 0.7 مليون برميل يوميا كان يتوقعها في يونيو. ويرتبط هذا التحسن في التوقعات بالزيادة غير المتوقعة في الطلب على النفط في العام 2013، والتي ترجع الى طقس ابرد من المعتاد في النصف الشمالي من الكرة الأرضية خلال الربع الثاني من 2013. وتشير التوقعات المبدئية لعام 2014 الى تسارع نمو الطلب على النفط بشكل قليل حيث ترجح التقديرات زيادة بواقع 1.1 مليون برميل يومياً، ما يعكس تحسناً في ظروف الاقتصاد العالمي. وتقترب تلك الوتيرة المتوقعة للنمو في 2013 من مستوى النمو المتوقع للطلب على المدى الطويل.
وبين تراجع إنتاج النفط لدول أوبك الإحدى عشرة «أي باستثناء العراق» بشكل ملحوظ بواقع 276 ألف برميل يوميا ليصل الإنتاج الى 27.3 مليون برميل يوميا في يونيو، ما أدى الى فقدان المكاسب التي تحققت الشهر السابق. وكانت ليبيا وراء معظم هذا الانخفاض، حيث هبط انتاجها النفطي بواقع 207 آلاف برميل يومياً ليصل الى 1.2 مليون برميل، وهو أقل مستوى انتاج لها منذ يناير من العام 2012. فقد تأثر انتاج ليبيا بالإضرابات والاحتجاجات في حقول النفط ومحطات التصدير، ما قد يشير إلى مزيد من التراجع في شهر يوليو. وشهدت نيجيريا وأنغولا في غرب أفريقيا انخفاضاً في الانتاج بما يزيد عن 60 ألف برميل يومياً للاثنين معا. ولا تزال نيجيريا تعاني من مشاكل أمنية مستمرة تطول البنية التحتية للنفط. وانفردت الدول الخليجية المنتجة للنفط بتسجيل ارتفاع في انتاجها في يوينو، أكبرها السعودية التي ارتفع انتاجها بمقدار 50 ألف برميل يومياً في المتوسط، وهو أكبر ارتفاع له منذ 8 أشهر، ليصل الى 9.6 ملايين برميل يومياً. فإلى جانب الارتفاع الموسمي في الطلب المحلي، رفعت السعودية من انتاجها تعويضاً عن تراجع إنتاج ليبيا.
وتراجع إجمالي إنتاج أوبك «بما فيه العراق» إلى 30.4 مليون برميل يوميا، أي قريبا من الإنتاج المستهدف للمنظمة. وقد تراجع انتاج العراق بواقع 34 ألف برميل يومياً ليصل الى 1.3 مليون برميل يومياً في يونيو وذلك بعد سلسلةٍ من التحديات الأمنية والفنية والمناخية. وتشير البيانات الرسمية الى تراجع الإنتاج إلى أقل من مستوى 3 ملايين برميل يومياً للمرة الأولى منذ أكثر من عام. ومن المتوقع أن ترتفع الإمدادات من خارج أوبك بنحو 1.4 مليون برميل يوميا في العام 2013، أقل من ربعها يأتي من سوائل الغاز الطبيعي لدول أوبك. ومن المتوقع أن يرتفع الإنتاج الأميركي وحده بواقع 1.0 مليون برميل يومياً هذا العام، ممثلاً بذلك الجزء الأكبر من الزيادة في انتاج النفط من خارج منظمة أوبك. وعلى الرغم من حدوث بعض الزيادات في انتاج دول الخليج، إلا أن متوسط الانتاج النفطي لمنظمة أوبك خلال هذا العام قد يكون أدنى من مستواه في العام 2012. ونتيجة لذلك، من المتوقع أن يشهد إجمالي انتاج النفط العالمي زيادة بأقل من مليون برميل يومياً في العام 2013.
ومن المتوقع أن تواجه أساسيات سوق النفط تحديات في المستقبل مقارنة مع الأشهر الماضية وذلك لتوقف عمليات الإمداد وزيادة الطلب. ووفقاً لمتوسط التوقعات الذي يفيد بتحسن الزيادة في الطلب على النفط العالمي بواقع 1.1 في المئة أو 1.0 مليون برميل يومياً في العام 2013 وتحقيق زيادة ضخمة في الانتاج من خارج منظمة أوبك بواقع 1.4 مليون برميل يومياً والتي قابلها هبوط الانتاج في أوبك، فإن مخزونات النفط العالمية قد تشهد ارتفاعاً طفيفاً بواقع 0.4 مليون برميل يومياً في 2013. وبالفعل فإن معظم هذا الارتفاع قد تحقق. وبهذه الحالة، فإن سعر خام النفط الكويتي سيبقى عند مستوى 105 دولارات للبرميل خلال الربع الأخير من هذا العام وفي بداية العام المقبل.
اما إذا تسارع نمو الطلب على النفط في العام المقبل بوتيرة اسرع مضيفا 0.2 مليون برميل يومياً على الزيادة المرحجة، فإن أسعار النفط قد تأخذ مساراً أعلى. ووفقاً لهذا السيناريو، فقد يقارب سعر خام التصدير الكويتي 110 دولارات للبرميل الواحد بحلول الربع الأول من العام 2014.
وعلى العكس، فإن إرتفاعا أعلى من المتوقع في الانتاج من خارج منظمة أوبك في العام المقبل قد يؤدي الى اعتدال الأسعار في الربع الأول من العام 2014، إلا أنه من المرجح أن تظل فوق 100 دولار للبرميل. وفي هذه الحالة، فإن سعر خام التصدير الكويتي سيظل ثابتاً في الربع الأخير من العام 2013 قبل تراجعه في بداية العام المقبل.
وتشير الحسابات الختامية للميزانية الكويتية للسنة المالية 2012/2013 التي تم إصدارها مؤخراً الى تحقيق فائض بقيمة 12.7 مليار دينار وذلك قبل استقطاع مخصصات صندوق احتياطي الأجيال القادمة، وهو ما يوازي 25 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. وقد سجلت الإيرادات النفطية رقماً قياسياً بلغ 32 مليار دينار نتيجة ارتفاع أسعار النفط وزيادة الإنتاج بواقع 5 في المئة . في حين بلغت المصروفات 19.3 مليار دينار، أي أقل من مستواها المعتمد في الميزانية بواقع 9 في المئة .
ثلاثة سيناريوهات لتوقعات السنة المالية الحالية
وترتبط التوقعات للسنة المالية الحالية 2013/2014 بسيناريوهاتنا الثلاثة، التي تتوقع أن تتراوح أسعار النفط في نطاق ضيق ما بين 102 و106 دولارات للبرميل. ويبلغ حجم الإنفاق المعتمد في الميزانية 21.0 مليار دينار، بتراجع طفيف عن السنة السابقة. وفي حال جاء الإنفاق الفعلي أقل من مساواه المعتمد بما بين 5 في المئة الى 10 في المئة ، كما هي العادة، فقد تحقق الميزانية فائضاً يتراوح بين 11.1 و13.3 مليار دينار وذلك قبل استقطاع مخصصات صندوق احتياطي الأجيال القادمة، أي يواقع 23 في المئة الى 27 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي المتوقع لعام 2013، وهو الفائض الخامس عشر على التوالي.