من المتوقع أن يحقّق القطاع المصرفي العراقي نمواً كبيراً في الأصول والأرباح خلال العقد القادم نتيجة للعديد من العوامل التي يأتي في مقدمتها وجود بيئة اقتصادية ضخمة وقوية، وانتشار الائتمان، وتحسّن الموقف الأمني في الدولة. هذا ما أورده تقرير جديد عن القطاع المصرفي في العراق أصدرته شركة «سانسار كابيتال» «Sansar Capital» المتخصصة في إدارة الأصول في الدول النامية. ومع توقعات صندوق النقد الدولي بنمو إجمالي الناتج المحلي في العراق بمعدل 9 في المئة خلال العام الحالي 2013، يُتوقع أن يحافظ القطاع المصرفي على وجه الخصوص على مستوى نمو ثابت خلال السنوات القليلة القادمة.
وأشار التقرير إلى دور زيادة انتشار الائتمان في تعزيز نمو القطاع المصرفي. وفي هذا الصدد، سلّط التقرير الضوء على ما جاء في دراسة للبنك الدولي أوضح فيها أن الائتمان المحلي العراقي المرتبط بإجمالي الناتج المحلي ظل ثابتاً عند حدود 9 في المئة من إجمالي الناتج المحلي مع نهاية العام 2011، وذلك مقارنة بنسبة 55 في المئة من متوسط إجمالي الناتج المحلي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. كما شهد الائتمان المحلي المرتبط بإجمالي الناتج المحلي نمواً بنحو 89 في المئة حسب معدل النمو السنوي المركّب في الفترة من 2009 إلى 2011. وبالإضافة إلى ذلك، وبحسب البيانات الصادرة عن البنك المركزي العراقي، فإن الائتمان النقدي مثل القروض وتسهيلات السحب على المكشوف قد ارتفعت بشكل كبير حسب معدل النمو السنوي المركّب لتصل إلى 50 في المئة في الفترة بين 2006 و2011.
ويحلل التقرير تفصيلياً وضع القطاع المصرفي الخاص في العراق من خلال إلقاء الضوء على أكبر خمسة مصارف خاصة من حيث الإيداعات. ويوضح التقرير أنه نتيجة للدعم الناتج عن النمو الاقتصادي القوي وارتفاع انتشار الائتمان، فإن هذه المصارف الخمسة قد شهدت نمواً في صافي الدخل الكلي بمعدل 207 في المئة خلال 2010- 2012. وكان لسياسة عدم التشدد أثر على ازدياد رؤوس الأموال، ما أسفر عن انخفاض نمو الأرباح لكل سهم، بالرغم من أنها ما زالت تتمتع بمكانة قوية، إلى جانب نمو أرباح الأسهم المجمّعة إلى 111 في المئة خلال الفترة من 2010 إلى 2012.
ويستقصي التقرير خاصية غير عادية تتميّز بها الأسواق العراقية، تتضح صورتها في المصارف ذات أعلى نسب عائدات لحقوق المساهمين ومعدلات نمو؛ إذ تقوم بشراء البضائع بأقل من مضاعفات التقييم، وهذا ما يجعل «سانسار كابيتال» ترى أن ذلك يدل على عدم كفاءة السوق الذي يتيح الفرصة للأشخاص المهتمين.
كما يلقي التقرير الضوء على الأوضاع المالية للمصارف العراقية، ويظهر ارتفاع أرباح نسب عائدات حقوق المساهمين في المصارف العراقية بشكل ملحوظ بحسب الأرقام الورادة؛ والتي قاربت في بعض المصارف نسبة 60 في المئة.
واتسم أداء مصرف الشرق الأوسط العراقي للاستثمار على وجه الخصوص، ثالث أكبر مصرف تجاري في مستوى الإيداعات، بمستوى جيد خلال السنوات القليلة الماضية، إذ استطاع أن يجتذب مبالغ ضخمة للإيداع بنسب فائدة منخفضة للغاية. وقد حظي المصرف بأعلى نسبة للعائدات، وفي نمو الأرباح التشغيلية مقارنة بالمصارف العراقية الكبرى في العام 2012. ومنذ العام 2009، نمت أرباح المصرف قبل الضرائب بنسبة 330 في المئة، ونسبة النمو السنوي المركّب بنسبة 63 في المئة.
ووفقاً للتقرير، فإن نمو أرباح القطاع المصرفي العراقي والناتج الإجمالي المحلي سينمو بنسبة 151 في المئة في الفترة من 2011 إلى 2020 كما توقعت وكالة الطاقة الدولية. ويعزّز ذلك زيادة عائدات النفط التي تتزامن مع تحسّن الوضع الأمني في الدولة، إذ انخفضت وتيرة العنف بمعدل 80 في المئة خلال العامين 2006 و2012.
وعلى الرغم من النمو الكبير، إلا أنه سيتعين على المصارف العراقية التغلب على بعض التحديات الهامة إذا أرادت الاستمرار على طريق النمو بوتيرة متميّزة كما حدث خلال السنوات الخمس الماضية.
ومن جهة أخرى، تعتبر إمكانية الوصول من بين أكبر التحديات التي تواجه القطاع المصرفي في الدولة، إذ أن إمكانية الوصول إلى فروع البنوك أو أجهزة الصرّاف الآلي ما زالت محدودة بدرجة كبيرة لعموم الناس في العراق. ويوجد الآن حوالي 900 فرع مصرفي تخدم 33 مليون عراقي؛ بمعنى أن كل فرع يخدم 36,000 شخصاً.
ومن بين التحديات الأخرى بيئة التعامل غير السوية لدى المصارف الحكومية، وفقدان الثقة بشكل عام في النظام المصرفي. وتزداد المشكلة تفاقماً بغياب المؤسسات التأمينية الخاصة بالإيداعات، والتي تضمن للعملاء ودائعهم في حال إفلاس المصرف.
كما يلقي التقرير بظلال الشك جزئياً على حوكمة الشركات ودرجة الشفافية في بعض المصارف. وقد أورد التقرير مصرف الشمال كمثال على ذلك، حيث أبرز المخاوف المالية والتدقيقية التي طرحها المحاسبون في التقارير العربية، إذ أشاروا لغيابها من التقارير التي قدمها المصرف وتم ترجمتها من الانكليزية.
وقال سانجي موتواني، رئيس شركة «سانسار كابيتال»: «بالرغم من أن قطاع المصارف في العراق يسير بلا شك على مسار النمو، إلا أن هذا المسار لا يخلو من بعض التحديات. والشيء الهام الذي يجب الالتفات إليه هو أنه بالإمكان اجتياز كل هذه التحديات والعقبات، لا سيّما إذا تضافرت جهود القطاعين الحكومي والخاص. كما أن قطاع البنوك الخاصة على وجه الخصوص يمكنه الإسهام في تحسين سهولة الوصول لشبكات فروع البنوك وما تقدمه من خدمات، في حين يمكن للقطاع المصرفي الحكومي أن يساعد في اعتدال كفتي الميزان بين البنوك المملوكة للحكومة وقطاع المصارف الخاصة. ولا شك أن كسب ثقة عموم العملاء يتطلب العمل وبذل الجهد من جانب كلا الطرفين».