
«كونا»: تخطط الكويت منذ سنوات لدخول عالم الطاقة المتجددة في خطوة مهمة لتوفير أمن الطاقة واستدامة التنمية فيما كانت الانطلاقة الحقيقية لهذا التوجه حين أعلن سمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أنه بحلول عام 2030 سيتم توفير نحو 15 في المئة من الطلب على الطاقة في البلاد من المصادر المتجددة.
وكان اعلان سمو امير البلاد الذي جاء في مؤتمر الأمم المتحدة الـ18 للتغير المناخي بالدوحة في 4 ديسمبر الماضي بمثابة نقلة نوعية للعمل على تنويع مصادر الطاقة والتركيز على توطين المزيج الأمثل لتقنيات مصادر الطاقة المتجددة التي تشمل الطاقة الشمسية الكهروضوئية والطاقة الشمسية الحرارية وطاقة الرياح.
وتوجت تلك المساعي الحثيثة حديثا بإعلان معهد الكويت للأبحاث العلمية إطلاق عدد من المقترحات للجزء الاول من إنشاء حديقة متعددة التقنيات للطاقة المتجددة مشروع «مجمع الشقايا للطاقات المتجددة» كجزء من استراتيجية الكويت للتنويع في مصادر الطاقة.
وحول مجمع الشقايا للطاقات المتجددة يقول المدير التنفيذي لمركز أبحاث الطاقة والبناء في معهد الكويت للأبحاث العلمية الدكتور سالم الحجرف لـ«كونا» ان المعهد يعكف على تطوير هذا المشروع منذ عام 2008 بالتعاون مع عدد من الوزارات والمؤسسات والهيئات الرسمية منها وزارة الكهرباء والماء ومؤسسة الكويت للتقدم العلمي وبلدية الكويت.
وتوقع ان يوفر المشروع نحو خمسة ملايين ميغاوات من الطاقة كل عام والتي بدورها ستوفر ما يكفي لسد حاجة أكثر من 100 الف بيت كويتي الذي يعتبر الأعلى استهلاكا في العالم مضيفا ان المشروع سيوفر نحو 12 مليون برميل من النفط كل عام.
واضاف انه من المتوقع انتهاء المشروع بالكامل قبل حلول عام 2030 ودعم الشبكة الوطنية بنحو 15 في المئة من الطلب اعتمادا على مصادر الطاقة المتجددة مشيرا الى ان مشروع الشقايا هو أول مشروع في العالم يجمع مزيجا من تقنيات الطاقة المتجددة تحت ادارة واحدة.
وذكر انه من المتوقع أن يقفز حجم الاستهلاك المحلي للطاقة من 130 مليون برميل في عام 2015 إلى نحو 200 مليون برميل بحلول عام 2030 أي ما يعادل 20 في المئة من الإنتاج اليومي من النفط وذلك في أكثر التقديرات تحفظا.
وبين ان استراتيجية معهد الكويت للأبحاث العلمية وبالتعاون مع الجهات المختصة ترتكز على محورين رئيسيين هما تنويع المصادر وترشيد الاستهلاك.
وقال ان المتتبع للعلاقة بين أسعار مصادر الطاقة التقليدية مثل النفط والغاز مقارنة بأسعار مصادر الطاقة المتجددة يجد أن هذه العلاقة تصب في صالح أسعار الطاقة المتجددة التي ظلت تعاني من ارتفاع تكاليفها لأكثر من أربعة عقود. واوضح ان تخطي أسعار النفط العالمية حاجز الـ70 دولارا للبرميل وصولا الى 100 دولار جعل من الاستثمار في مجال الطاقة الشمسية وطاقة الرياح أمرا مجديا اقتصاديا حيث شهدت أسعار إنتاج الطاقة الكهرباء من الشمس والرياح هبوطا حادا خلال الاعوام الخمسة الماضية حتى أصبحت تنافس مصادر الطاقة التقليدية.
وعن توقعات معهد الكويت للأبحاث العلمية حول إنتاج الطاقة الكهربائية من الرياح افاد الحجرف بانها تشير الى ان كل كيلوات ساعة يكلف 35 فلسا «12 سنتا» مقارنة بـ 40 فلسا أي «14 سنتا» لكل كيلوات ساعة من الطاقة التقليدية.
وقال ان تكلفة إنتاج الطاقة الكهروضوئية تتراوح بين 50 و60 فلسا أي «18-21 سنتا» للكيلوات ساعة وكذلك الطاقة الشمسية الحرارية بتكلفة تتراوح بين 75 و65 فلسا أي «23-26 سنتا» لكل كيلوات ساعة.
من ناحيته اوضح مدير إدارة العلوم والتكنولوجيا في مركز أبحاث الطاقة والبناء بمعهد الكويت للأبحاث العلمية الدكتور أسامة الصايغ ان نصيب كل فرد من العوائد النفطية في نقصان وهو ما سينعكس سلبا على خطط التنمية في البلاد والأجيال القادمة مشيرا الى ان قطاع الكهرباء والماء فقط يستهلك ما بين 11 و13 في المئة من مجموع إنتاج النفط.
ولفت الى ان التحدي العام الذي تواجهه البلاد يكمن في تنويع مصادر الدخل حيث ان أكثر من 95 في المئة من دخل الكويت يأتي من عائد النفط المرتبط بالأسواق العالمية ولا يمكن التعويل على ازدهار تلك الأسواق دائما. وذكر ان من التحديات الرئيسية التي تواجهها البلاد في شؤون الطاقة هو الاستهلاك «الجائر» للطاقة حيث وصل استهلاك الفرد من الطاقة الكهربائية عام 2012 إلى 17 ميغاواط ساعة واستهلاك الفرد للمياه لنفس العام 42 الف غالون وهما رقمان عاليان نسبيا لبلد غير صناعي وصغير في المساحة والسكان مبينا ان هذه الزيادة في الاستهلاك غير ممكنة دون التأثير السلبي الكبير المباشر على اقتصاد وبيئة البلاد.
واضاف ان الكويت بحاجة إلى نظام طاقة مستدام وانه يجب التعامل مع تحدي نمو استهلاك الطاقة وبخاصة الطاقة الكهربائية في الكويت بجدية وبأسرع وقت للحد من تأثيره السلبي على ثروات وبيئة البلاد ولما له من تأثير مباشر على خطط التنمية وبناء الأجيال القادمة.
وقال الصايغ انه بناء على ذلك يجب تبني سياسة نظام الطاقة المستدامة من خلال العمل على محورين متوازيين وهما كفاءة الطاقة والطاقة المتجددة مضيفا ان المعهد عمل منذ سبعينات القرن الماضي في أبحاث الطاقة المتجددة بما في ذلك تكنولوجيا الطاقة الشمسية الحرارية والكهروضوئية والتبريد والتسخين الشمسي.
واوضح ان العمل توقف بتلك الأبحاث في نهاية ثمانينات القرن الماضي لأسباب الجدوى الاقتصادية بسبب تدني أسعار النفط في ذلك الوقت مبينا انه أعيد العمل بأبحاث الطاقة المتجددة في عام 2007 بمبادرة من سمو أمير البلاد ودعم من مؤسسة الكويت للتقدم العلمي.
وذكر انه اجراء مسح ميداني أولي لمصادر الطاقة المتجددة ذات الجدوى في الكويت وتبين أن الطاقة الشمسية الحرارية والطاقة الشمسية الضوئية وطاقة الرياح هي الأنسب للاستغلال في بيئة الكويت في الوقت الحالي.
واضاف انه بناء على ذلك اجرى معهد الأبحاث دراسة تحليلية لخيارات توليد الكهرباء المتاحة في الكويت بهدف التنبؤ باتجاهات تطور التقنيات الحديثة وخصائصها والعوائد الاقتصادية لها باستخدام تقنيات متعددة مبينا ان نتائج الدراسة اظهرت أن تكنولوجيا الطاقة المتجددة قادرة على سد بعض احتياجات توليد الكهرباء وفي المقابل سد جزء من الطلب على الطاقة في أوقات الذروة مع فرص توفير الوقود النفطي اللازم للإنتاج. وقال الصايغ ان نتائج التحليل من حيث التكلفة اظهرت ايضا أن استهداف نسبة 10 في المئة إلى 15 في المئة من حاجة الدولة للطاقة الكهربائية من مصادر الطاقة المتجددة في عام 2030 يعد الأنسب اقتصاديا وتقنيا وهو ما يتم العمل عليه بالفعل حاليا.
من جهته دق الخبير الاقتصادي والنفطي حجاج بوخضور ناقوس الخطر محذرا من الاستمرار في الاعتماد على مصادر النفط التقليدي «الناضبة» في توليد الطاقة في الكويت.
وأشاد بوخضور بخطوات الكويت الأخيرة في التوجه نحو تنوع مصادر الطاقة وفتح آفاق جديدة للاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة والمتمثلة في مشروع الشقايا داعيا الى المزيد من الخطوات والاسراع فيها للوصول الى الانتاج من طاقة متجددة تتناسب والارتفاع المستمر والمتزايد في الاستهلاك.
وأوضح أن الكويت تستهلك محليا نحو خمس انتاجها النفطي البالغ ثلاثة ملايين برميل يوميا سواء بالنسبة لتوليد الكهرباء أو في مجالات النقل والمجالات الصناعية مضيفا أن الكويت ومع تزايد عدد السكان قد تستهلك خلال اقل من عشر سنوات نصف انتاجها النفطي محليا وهو ما يعد اهدارا للثروة ويقلل من العوائد النفطية التي هي المصدر شبه الوحيد للدخل القومي.
ولفت بوخضور الى أن تكاليف توليد الطاقة المتجددة حاليا قد لا يكون لها جدوى اقتصادية وقد يستمر ذلك لأي مشروع في الطاقة المتجددة بين خمس الى عشر سنوات «لكن هذه المشاريع وإن كانت لا تربح حاليا فانها ستكون مربحة في المستقبل المنظور».
واوضح أن انتاج طاقة متجددة بكلفة 100 دولار قد يساوي 100 دولار حاليا وهو ما يعني أنه لا فائدة مادية تعود من انتاجها لكنه اشار في نفس الوقت الى وجود فوائد بيئية كبيرة اضافة الى فوائد اقتصادية مستقبلا حيث أن اسعار النفط لن تتوقف عند هذا المدى وسترتفع وهو ما يؤكد وجود جدوى اقتصادية من الاستثمار في الطاقة المتجددة مستقبلا.
وبين أن دخول الكويت لمعترك الطاقة المتجددة ضرورة ملحة ونظرة ثاقبة لان الطاقة المتجددة «متجددة ومستمرة ولا تنتهي» في حين أن الوقود الاحفوري «النفط والغاز والفحم» يمثل طاقة ناضبة مع مرور الزمن.
وقال ان التوجه الى الاستثمار في الطاقة المتجددة خطوة لا نشعر بها في الوقت الحالي لكنها رصيد للأبناء والأحفاد في المستقبل سيخفف من العبء الاستهلاكي المتنامي بشكل مخيف وهو توجه يزيد من العوائد النفطية ويساعد في اقرار ميزانيات مريحة للدولة لا توتر فيها أو عجز.
وافاد بوخضور بان الطاقة المتجددة هي التي لا تستنفد وتستمد من الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح أو المياه أو المد والجذر أو الحرارة الجوفية أو ما يعرف بالكتلة الحية كالحيوانات وغيرها وهي لا تنضب في حين أن الطاقة غير المتجددة كالنفط والغاز والفحم والطاقة النووية ستنضب وتنتهي يوما ما ولهذا تعد الطاقة المتجددة طاقة المستقبل حتى وإن كان المستقبل البعيد.
وذكر انه لتوفير الطاقة المتجددة شروطا اهمها سهولة النقل والتخزين وجدواها الاقتصادية والفروق بين الطاقة المبذولة والمنتجة مضيفا أن اسعار النفط الحالية لا تفسح المجال للطاقة المتجددة وتجعلها دون جدوى اقتصادية حقيقية.
وذكر انه مع ارتفاع اسعار النفط مستقبلا ومع التقدم التكنولوجي الذي سيقلل من تكلفة انتاج الطاقة المتجددة سيكون لذلك جدوى اقتصادية كبيرة ولا يمكن بأي حال اهمال الجدوى البيئية عند الحديث عن الطاقة المتجددة ومقارنتها بغير المتجددة.
وشدد بوخضور على ضرورة توفير النفط للصناعة مبينا أن النفط والغاز يعدان مادة أولية لكثير من السلع الاستهلاكية للبشر بشكل أكبر من الحديد والنحاس وغيرها من الثروات الطبيعية وإذا ما نضب النفط فإن الصناعة ستصاب بالشلل ويواجه الانسان صعوبات معيشية جمة.
ولفت الى ان الطاقة المتجددة ليست مؤثرة حتى الآن ويختلف مدى الاعتماد عليها من دولة لأخرى مضيفا ان أكثر الدول استثمارا للطاقة المتجددة هي المانيا وهولندا وبنسبة عامة في استخدام الطاقة لا تزيد عن 8 في المئة وهي مستويات متواضعة وتقل في دول اخرى حيث تبلغ في الولايات المتحدة نحو 4 في المئة.