برزت مؤشرات محلية وإقليمية ودولية، خلال الأيام القليلة الماضية، ترجح تكهنات العديد من المراقبين بأن المنطقة العربية مقبلة على فترة مهمة وحاسمة من تاريخها، ستشهد وضع حد للحروب الأهلية والصراعات الدموية التي أنهكتها سنوات عديدة، واستنزفت الكثير من مواردها البشرية والمادية .
وتؤكد هذه المؤشرات أن التحركات الدبلوماسية والعسكرية التي قامت بها دول مجلس التعاون الخليجي بوجه خاص، وقادتها المملكة العربية السعودية، جعلت أزمات سوريا واليمن والعراق وليبيا مفتوحة على احتمالات الحل الآن، أكثر من أي وقت مضى، ويرتبط بذلك إرهاصات انفراجة في مصر بين السلطة وجماعة الإخوان المسلمين، تمثلت في قرار قضائي صدر أمس بالإفراج عن عشرة من قيادات الجماعة، وكذلك ما جرى من انسحاب للقوات الروسية من روسيا، واقترانه باستئناف محادثات جنيف بين أطراف الأزمة السورية .
وأوضحت مصادر دبلوماسية ل «الصباح» أن كل هذه المؤشرات مرتبطة بوجه خاص بما ظهر خلال الأيام الأخيرة من بوادر تحسن في العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي وإيران، وفي هذا الإطار ذكرت صحيفة «العربي الجديد» أمس، أنّ الدوحة أعادت طرح المبادرة، التي أعلن عنها أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في سبتمبر الماضي، وعرض فيها استضافة بلاده حواراً بين دول الخليج العربية وإيران، لإنهاء الخلافات السياسية.
ووصف أمير قطر في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي، الخلافات بين الجانبين بأنّها «سياسية وليست مذهبية». وقال إنّ إيران دولة جارة مهمة، مشترطاً أن يكون الحوار مع إيران قائماً على أساس عدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول الخليج.
ونقلت الصحيفة عن مصادر خليجية قولها إن الحراك الدبلوماسي الذي شهدته العواصم الخليجية، الأسبوع الماضي، كان عنوانه الرئيس «الحوار مع إيران»، بعد أن أبدت الأخيرة، في رسالة وجهها الرئيس الإيراني، حسن روحاني، إلى سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد، يبدي فيها رغبة بلاده في «حل المسائل العالقة بين إيران ودول الخليج العربية بالحوار الهادئ». وقام أمير قطر بزيارة قصيرة الخميس إلى أبوظبي، التقى فيها ولي عهدها، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان.
وتناولت المباحثات الموقف من العرض الإيراني للحوار، بعد أن شهدت العواصم الخليجية حراكاً سياسياً، تَمثل برسائل من سمو أمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد، نقلها مبعوث سموه نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية الشيخ محمد الخالد، إلى قادة دول مجلس التعاون، تحمل الرغبة الإيرانية في إجراء حوار مع دول مجلس التعاون الخليجي، ووجهة النظر الكويتية المؤيدة للحوار بشروط.
أضافت الصحيفة أن الدوحة سعت إلى تكثيف اتصالاتها مع دول الخليج بعد الترحيب الإيراني بالدعوة لإجراء الحوار، مشيرة إلى أنه وفيما لم ترشح معلومات عن المواقف الخليجية النهائية، من العرض الإيراني، ورغبة الدوحة في استضافة الحوار المرتقب، تشكل زيارة أمير قطر إلى أبو ظبي، ولقاؤه مع ولي عهدها، محطة لبناء موقف خليجي موحد، من الدعوة الإيرانية، يقوم على المبادرة القطرية التي دعت إلى الحوار «على أساس عدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول الخليج»، وهو المطلب الذي تطالب به جميع دول الخليج.
وكان وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، قد قال، في ختام اجتماع لوزراء خارجية دول مجلس التعاون، في الرياض الأسبوع الماضي، إن بلاده لا تمانع في فتح صفحة جديدة في العلاقات مع إيران، إذا غيّرت الأخيرة سياساتها «الطائفية»، وتوقفت عن التدخل في شؤون دول المنطقة. وأضاف الجبير «إذا تبنت إيران سياسات مختلفة عن التي تتبناها الآن، فلا يوجد ما يمنع من بناء أفضل العلاقات»، وقال «لنكن واضحين وصريحين، عندما تتغير السياسة، من الممكن أن تتحسن العلاقة بشكل إيجابي».
وسعت الدوحة، منذ سبتمبر، إلى تكثيف اتصالاتها، مع دول الخليج العربية، بعد الترحيب الإيراني بالدعوة لإجراء حوار خليجي-إيراني، إلا أن الجهود القطرية اصطدمت بالتطورات السلبية التي شهدتها العلاقات الخليجية - الإيرانية. وتصاعد التوتر بين دول الخليج وإيران، خصوصاً بعد طرد البحرين القائم بالأعمال الإيراني في المنامة، واستدعاء سفيرها في طهران على خلفية اتهامات بالتدخّل في الشؤون الداخلية، والتهديدات المتصاعدة للرياض من طهران، بعد حادثة التدافع في منى في أثناء موسم الحج، والتي أسفرت عن وفاة مئات الحجاج، ومنهم حجاج إيرانيون، ثم تخفيض الدول الخليجية التمثيل الدبلوماسي، واستدعاء السفراء وقطع العلاقات مع إيران، على خلفية الاعتداء على سفارة العربية السعودية وقنصليتها في طهران ومشهد.
وعلى صعيد الموقف النيابي الكويتي تجاه احتمالات المصالحة الخليجية مع إيران، قال النائب عب الله المعيوف ان العالم كله يعرف ثقل صاحب السمو امير البلاد الشيخ صباح الاحمد، في قدرته علي حل اي ازمة او مشكلة دبلوماسية، مشيرا الي ان الاحتقان والتوتر في العلاقات بين الجمهورية الاسلامية الايرانية ودول مجلس التعاون الخليجي، بسبب استمرار ايران في التدخل بالشؤون الداخلية للدول الخليجية، علاوة علي دعمها لمنظمات ارهابية واحتواء قياديها مثل حزب الله اللبناني .
واوضح المعيوف في تصريح ل»الصباح» ان استمرار الوضع علي ما هو عليه، يشكل قلقا وخوفا لدي الشعوب الخليجية وباقي دول المنطقة، لافتا الي ان خطوة ايران بمناشدة صاحب السمو الأمير، بترطيب الاجواء والتجهيز لمصالحة، جاءت بعد ان استشعرت ايران ان دول الخليج العربي نفذ صبرها، فيما يخص التعامل مع التصرفات الايرانية المستفزة وتدخلاتها في الشؤون الداخلية للعديد من دول المنطقة، والتأثير علي بعض مواطني دول الخليج وتحريضهم علي النظام القائم في دولهم .
وذكر انه كان لزاما علي دول مجلس التعاون الخليجي اتخاذ موقف حازم وحاسم، وهو ما فعلته دول الخليج بقيادة المملكة العربية السعودية، مما جعل ايران تستشعر ان المرحلة القادمة هي مرحلة مواجهة وتصدٍ وليس هناك مجال للمجاملة والتهدئة .
وطالب المعيوف ايران بان تكون خطوتها صادقة، ولا تكون مجرد مؤقتة لظروف معينة تريد ان تعبرها ومن ثم العودة لما كانت عليه، مؤكدا ان ممثلي الشعب الكويتي نواب الامة يمدون أيديهم الي المصالحة مع ايران، والتعاون والعمل علي استقرار المنطقة شريطة ان يكون الطرف الاخر صادقا ايضا في نواياه وتعامله مع هذه المشكلة الكبيرة .
وبالنسبة للأزمة اليمنية فقد وصل المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ أحمد إلى صنعاء، في إطار جولة جديدة من الجهود الدبلوماسية، وسيجري مشاورات مع قيادات ميليشيات الحوثي والمخلوع صالح. وعبّر ولد الشيخ عن أمله بعقد جولة مباحثات أواخر الشهر الجاري.
يأتي ذلك عقب لقاء عقده ولد الشيخ أحمد في الرياض مع الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، الذي أكد أن كل الأبواب مفتوحة للتوصل إلى سلام شامل ودائم وفق المبادرة الخليجية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني.
من جهته أكد ولد الشيخ مواصلة المشاورات مع الأطراف اليمنية من أجل جولة جديدة من المباحثات يأمل في أن تعقد نهاية مارس الجاري.
وأوضحت الحكومة اليمنية أنها جاهزة للحل السياسي السلمي المستند إلى تنفيذ استحقاقات قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216، موضحةً أن التأخير في التنفيذ ناتج عن عدم جاهزية الطرف الآخر فقط.
بدوره، أكد مندوب اليمن لدى الأمم المتحدة خالد اليماني هذا الأمر، حيث قال إن الضغط الذي مورس على ميليشيات الحوثي وصالح بدأ يؤتي ثماره، مشيراً إلى أن الأمور باتت على مشارف انتقال مهم ومفاوضات وفقاً للقرار رقم 2216.
وقال إن الحكومة اليمنية ستكون قادرة على الذهاب إلى الجولة الجديدة من المفاوضات٬ بفاعلية أكثر وستضع النقاط على الحروف، وشدد على أن الجولة المقبلة ستكون حاسمة٬ وستعمل الحكومة على تنفيذ أجندة المشاورات السابقة.